والمعنى: وحين جاء اليهود وأحبارهم رسول من عند الله، وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة، طرح فريق كبير منهم تعاليم التوراة التي تشهد بصدقه، وراء ظهورهم، حتى لكأنهم يجهلون أنها من عند الله، واتبعوا ما قصته واختلقته الشياطين من السحر والأوهام والمفتريات على عهد سليمان- عليه السلام- ومن هذه المفتريات والأكاذيب زعمهم أن سليمان- عليه السلام- كان ساحرا، وما تم له ملكه العريض، ولا ظهرت على يديه المعجزات الباهرة من تسخير الجن والريح إلا بهذا.
وقد أكذبهم الله- تعالى- في هذا الزعم بقوله: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ أى: بتعلم السحر والعمل به، كما يزعم هؤلاء «ولكن الشياطين» هم الذين «كفروا» بتعلم السحر وتعليمه للناس، وتعليمهم- أيضا- ضربا آخر منه وهو ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ من وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال به، ولقد كان الملكان لا يعلمان أحدا من الناس السحر حتى ينصحاه بقولهما: إن السحر الذي نعلمك إياه. القصد منه التمييز بين المطيع والعاصي، وبين السحر والمعجزة، فحذار أن تستعمله فيما نهيت عنه فتكون من الكافرين، بخلاف الشياطين فإنهم تعلموه وعلموه لغيرهم لاستعماله في الشرور والآثام، ولإحداث التفرقة بين الزوجين، ولكن هذا السحر الذي يتعاطاه الشياطين وأتباعهم لن يضر أحدا بذاته، وإنما ضرره يتأتى إذا أراد الله تعالى- ذلك وشاءه، ولقد علم أولئك النابذون لكتاب الله المؤثرون عليه اتباع السحر، أن من استبدل السحر بكتاب الله، فليس له نصيب من نعيم الجنة، وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ علما نافعا. وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا