للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أى: الصلاح والاستقامة والسداد لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى:

لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه لمخالفته لأهوائهم وشهواتهم وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ أى:

طريق الضلال عن الحق يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى: طريقا يميلون إليه، ويسيرون فيه بدون تفكر أو تدبر. وهذا شأن من مرد على الضلال، وانغمس في الشرور والآثام. إنه لإلفه المنكرات صار الحسن عنده قبيحا والقبيح حسنا، وصدق الله إذ يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.

ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان الأسباب التي أدت بهم إلى هذا الضلال العجيب فقال- تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أى: ذلك المذكور من التكبر وعدم الإيمان بشيء من الدلائل الدالة على الحق وإعراضهم عن سبيل الهدى. وإقبالهم التام على طريق الغواية، كائن بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على بطلان ما هم عليه من أباطيل، وبسبب أنهم كانوا عن هذه الآيات غافلين لاهين لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بما اشتملت عليه من عظات.

فالله- تعالى- لم يخلقهم مطبوعين على شيء مما ذكر طبعا، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراها، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق.

واسم الإشارة ذلِكَ مبتدأ، وخبره الجار والمجرور بعده، أى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم.

ثم قال- تعالى- وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أى: بطلت وفسدت وصارت هباء منثورا، بسبب تكذيبهم لآيات الله، وإنكارهم للآخرة وما فيها من ثواب وعقاب.

والاستفهام في قوله هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ للنفي: أى: لا يجزون يوم القيامة إلا الجزاء الذي يستحقونه بسبب أعمالهم في الدنيا. فربك- سبحانه- لا يظلم أحدا.

وقوله وَالَّذِينَ كَذَّبُوا في خبره وجهان:

أحدهما: أنه الجملة من قوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وهل يجزون خبر ثان أو مستأنف.

والثاني: أن الخبر هَلْ يُجْزَوْنَ والجملة من قوله حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ في محل نصب على الحال وقد مضمرة عند من يشترط ذلك، وصاحب الحال فاعل كذبوا.

وقوله وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فيه وجهان:

أحدهما: أنه من باب إضافة المصدر لمفعوله والفاعل محذوف والتقدير: ولقائهم الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>