عليه السلام- ما لا يصح لهم أن يطلبوه فأخذتهم الرجفة بسبب ذلك، أو بسبب أنهم عند ما عبد بنو إسرائيل العجل في غيبة موسى لم ينهوهم عن المنكر ولم يأمروهم بالمعروف.
وقوله: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أى: فلما أخذت هؤلاء السبعين المختارين الرجفة قال موسى يا رب إننى أتمنى لو كانت سبقت مشيئتك أن تهلكهم من قبل خروجهم معى إلى هذا المكان وأن تهلكني معهم حتى لا أقع في حرج شديد مع بنى إسرائيل، لأنهم سيقولون لي: قد ذهبت بخيارنا لإهلاكهم.
ويرى بعض المفسرين أن هذه الرجفة التي أخذتهم وصعقوا منها أدت إلى موتهم جميعا ثم أحياهم الله- تعالى- بعد ذلك، ويرى آخرون أنهم غشى عليهم ثم أفاقوا.
وقد قال موسى هذا القول لاستجلاب العفو من ربه عن هذه الجريمة التي اقترفها قومه. بعد أن من عليهم- سبحانه- بالنعم السابقة الوافرة، وأنقذهم من فرعون وقومه. فكأنه يقول:
يا رب لقد رحمتهم من ذنوب كثيرة ارتكبوها فيما سبق فارحمهم الآن كما رحمتهم من قبل جريا على مقتضى كرمك.
ومفعول المشيئة محذوف، أى: لو شئت إهلاكهم لأهلكتهم.
وقوله وَإِيَّايَ معطوف على الضمير في أَهْلَكْتَهُمْ، وقد قال موسى ذلك تسليما منه لأمر الله وقضائه وإن كان لم يسبق منه ما يوجب هلاكه، بل الذي سبق منه إنما هو الطاعة الكاملة لله رب العالمين.
والاستفهام في قوله أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا للاستعطاف الذي بمعنى النفي أى: ألجأ إليك يا مولانا ألا تهلكنا بذنب غيرنا فلئن كان هؤلاء السفهاء قد خرجوا عن طاعتك، وانتهكوا حرماتك. فنحن يا رب مطيعون لك وخاضعون لأمرك.
قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ استئناف مقرر لما قبله، وإِنْ نافية. والفتنة: الابتلاء والاختبار، والباء في بِها للسببية أى: ما الفتنة التي وقع فيها السفهاء إلا اختبارك وابتلاؤك وامتحانك لعبادك، فأنت الذي ابتليتهم واختبرتهم، فالأمر كله لك وبيدك. لا يكشفه إلا أنت. كما لم يمتحن به ويختبر إلا أنت. فنحن عائذون بك منك.
ولاجئون منك إليك. ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن.
وقوله أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ أى: أنت القائم بأمورنا كلها لا أحد غيرك، فاغفر لنا ما فرط منا، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، وأنت خير الغافرين إذ كل غافر سواك إنما يغفر لغرض نفسانى، كحب الثناء، واجتلاب المنافع، أما أنت- با إلهنا- فمغفرتك لا لطلب عوض أو غرض وإثما هي لمحض الفضل والكرم.