ثم ذكر- سبحانه- نعما أخرى مما أنعم به عليهم فقال: وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ.
الغمام: جمع غمامة وهي السحابة: وخصه بعض علماء اللغة بالسحاب الأبيض.
أى: وسخرنا لبنى إسرائيل الغمام بحيث يلقى عليهم ظله ليقيهم من حر الشمس.
وقوله وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى معطوف على ما قبله.
والمن: اسم جنس لا واحد له من لفظه، وهو- على أرجح الأقوال- مادة صمغية تسقط من الشجر تشبه حلاوته حلاوة العسل.
والسلوى: اسم جنس جمعى واحدته سلواة، وهو طائر برى لذيذ اللحم، سهل الصيد يسمى بالسمانى، كانت تسوقه لهم ريح الجنوب كل مساء فيمسكونه قبضا بدون تعب.
وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم كان في مدة تيههم بين مصر والشام المشار إليه بقوله- تعالى-: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ.
أين الطعام؟ فأنزل الله عليهم المن فكان ينزل على شجر الزنجبيل والسلوى وهو طائر يشبه السمانى فكان يأتى أحدهم فينظر إلى الطير فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله، فإذا سمن أتاه، فقالوا: هذا الطعام فأين الشراب؟ فأمر الله موسى أن يضرب بعصاه الحجر فضربه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا فشرب كل سبط من عين. فقالوا: هذا الشراب فأين الظل! فظلل الله عليهم بالغمام فقالوا: هذا الظل فأين اللباس؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتمزق لهم ثوب فذلك قوله- تعالى- وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى «١» .
وقوله كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ أى: وقلنا لهم كلوا من طيبات ما رزقناكم، واشكروا ربكم على هذه النعم لكي يزيدكم منها.
وقوله: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ معطوف على محذوف أى: فعصوا أمر ربهم وكفروا بهذه لنعم الجليلة وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
ويرى البعض أنه لا حاجة إلى هذا التقدير، وأن جملة وَما ظَلَمُونا معطوفة على ما قبلها لأنها مثلها في أنها من أحوال بنى إسرائيل.
والتعبير عن ظلمهم لأنفسهم بكلمة «كانوا» والفعل المضارع «يظلمون» يدل على أن
(١) تفسير ابن كثير ج ١ ص ٩٧.