وقوله- تعالى- وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها، حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أى مكان شاءوا.
وقوله: وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم عمله نحو خالقهم، وتوجههم إلى ما يعينهم على بلوغ غاياتهم بأيسر الطرق وأسهل السبل لأن كل ما كلفهم الله- تعالى- به أن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم خطيئاتهم، وأن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله عليهم مخبتين.
وقوله نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ مجزوم في جواب الأمر.
وهذه الجملة الكريمة بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم وخضوعهم لخالقهم وإغراء لهم على الامتثال والشكر- ولو كانوا يعقلون- لأن غاية ما يتمناه العقلاء هو غفران الذنوب.
وقوله- تعالى- سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وعد بالزيادة من خيرى الدنيا والآخرة لمن أسلم وجهه لله وهو محسن.
وقد أمر الله- تعالى- أن يفعلوا ذلك، وأن يقولوا هذا القول، لأن تغلبهم على أعدائهم نعمة من أجل النعم التي تستدعى منهم الشكر الجزيل لله- تعالى-. ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يظهر أقصى درجات الخضوع، وأسمى ألوان الشكر عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب، فعند ما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا وهو خاضع لربه، حتى إن رأسه الشريف ليكاد يمس عنق ناقته شكرا لله على نعمة الفتح، وبعد دخوله مكة اغتسل وصل ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح.
ومن هنا استحب العلماء للفاتحين من المسلمين إذا فتحوا بلدة أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند أول دخولها شكرا لله، وقد فعل ذلك سعد بن أبى وقاص عند ما دخل إيوان كسرى. فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات.
ولكن ماذا كان من بنى إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح.
لقد حكى القرآن ما كان منهم من جحود وبطر فقال: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.
قال صاحب الكشاف: «أى وضعوا مكان حطة قولا غيرها، يعنى أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر