الأول: أنه قال- سبحانه- في سورة البقرة: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وهنا قال:
وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية.
الثاني: أنه قال في سورة البقرة: فَكُلُوا بالفاء، وقال هنا وَكُلُوا بالواو.
الثالث: أنه قال في سورة البقرة: رَغَداً وهذه الكلمة غير مذكورة هنا.
الرابع: أنه قال في سورة البقرة: وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وقال هنا على التقديم والتأخير.
الخامس: أنه قال في سورة البقرة: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وقال هاهنا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ.
السادس: أنه قال في سورة البقرة: وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وهاهنا حذف حرف الواو.
السابع: أنه قال في سورة البقرة: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وقال هاهنا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ.
الثامن: أنه قال في سورة البقرة: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وقال هاهنا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ.
واعلم أن هذه الألفاظ متقاربة ولا منافاة بينها البتة، ويمكن ذكر فوائد هذه الألفاظ المختلفة من وجوه.
الأول: وهو أنه قال في سورة البقرة ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وقال هاهنا اسكنوا، فالفرق أنه لا بد من دخول القرية أولا ثم سكناها ثانيا.
الثاني: أنه هناك قال فَكُلُوا بالفاء وهنا بالواو. والفرق أن الدخول حالة مخصوصة، فإنه إنما يكون داخلا في أول دخوله، وأما ما بعد ذلك فيكون سكونا لا دخولا، إذا ثبت هذا فنقول: الدخول حالة منقضية زائلة وليس لها استمرار فلا جرم أن يحسن ذكر فاء التعقيب بعده، فلهذا قال: ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا وأما السكون فحالة مستمرة باقية فيكون الأكل حاصلا معه لا عقيبه، فظهر الفرق.
وأما الثالث: وأنه ذكر هناك رَغَداً ولم يذكره هنا، فالفرق أن الأكل عقيب دخول القرية يكون ألذ، لأن الحاجة إلى ذلك الأكل كانت أكمل وأتم، ولما كان الأمر كذلك ذكر كلمة «رغدا» وأما الأكل حال سكون القرية فالظاهر أنه لا يكون في محل الحاجة الشديدة ولم تكن اللذة فيه متكاملة. فلا جرم ترك قوله رَغَداً فيه.
وأما الرابع: وهو قوله هناك وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ وهنا على العكس،