للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبروهم. أو لفرط حرصهم وجدهم في أمرهم، كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً «١» .

وقال الإمام ابن كثير: (ويروى عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أنه قال عند ما سئل عن مصير الفرقة اللائمة، ما أدرى ما فعل بهم، ثم صار إلى نجاتهم لما قال له غلامه عكرمة:

ألا ترى أنهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم فقال لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قال عكرمة: فلم أزل به حتى عرفته أنهم نجوا فكساني حلة) «٢» .

والذي نرجحه أن مصير هذه الفرقة مفوض إلى الله، لأنه لم يرد نص صحيح في شأنها، فإن الآية الكريمة قد ذكرت صراحة عاقبة كل من الناصحين والعادين ولم تذكر مصير الفرقة اللائمة للناصحين ولعل ذلك مرجعه إلى أنها وقفت من العادين في السبت موقفا سلبيا استحقت معه الإهمال، إن لم تكن بسببه أهلا للمؤاخذة.

ثم فصل- سبحانه- ما عوقبوا به من العذاب البئيس الذي أصابهم فقال تعالى: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ أى فلما تكبروا عن ترك ما نهاهم عنه الواعظون، قلنا لهم كونوا قردة صاغرين فكانوا كذلك.

قال الآلوسى: (والأمر في قوله تعالى قُلْنا تكويني لا تكليفى، لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به، وهذا كقوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل) «٣» .

وقيل في تفسير الآية: إن الله تعالى- عاقب القوم أو لا بالعذاب البئيس الذي يتناول البؤس والشقاء والفقر في المعيشة، فلما لم يرتدعوا ويثوبوا إلى رشدهم، مسخهم مسخا خلقيا وجسميا، فكانوا قردة على الحقيقة، وهو الظاهر من الآية، وعليه الجمهور:

وقيل: مسخهم مسخا خلقيا ونفسيا، فصاروا كالقردة في شرورها وإفسادها لما تصل إليه أيديها، وهذا مروى عن مجاهد.

وتلك العقوبة كانت جزاء إمعانهم في المعاصي، وتأبيهم عن قبول النصيحة، وضعف إرادتهم أمام مقاومة أطماعهم، وانتكاسهم إلى عالم الحيوان لتخليهم عن خصائص الإنسان، فكانوا حيث أرادوا لأنفسهم من الصغار والهوان.


(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٥١٥.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٦٧.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>