والمعنى: واذكر يا محمد وقت أن أعلم الله- تعالى- هؤلاء اليهود وأسلافهم بأنهم إن غيروا وبدلوا ولم يؤمنوا بأنبيائهم، ليسلطن عليهم إلى يوم القيامة من يذيقهم سوء العذاب كالإذلال وضرب الجزية وغير ذلك من صنوف العذاب إن ربك لسريع العقاب لمن أقام على الكفر، وجانب طريق الحق، وإنه لغفور رحيم لمن تاب وآمن وعمل صالحا. وهذا من باب قرن الترغيب بالترهيب حتى لا ييأس العاصي من رحمة الله بسبب ذنوبه السابقة إذا هو أقبل على الله بالتوبة والعمل الصالح كما قال- تعالى- وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى.
ولقد يبدو للبعض أن هذا الوعيد لليهود قد توقف بسبب ما نرى لهم الآن من دولة وصولة ولكن الذي نعتقده أن هذا الوعيد ما توقف مع ما لهم من دولة، فإنهم ما زالوا محل احتقار الناس وبغضهم، وحتى الدول التي تناصرهم إنما تناصرهم لأن السياسة تقتضي ذلك بينما شعوب هذه الدول تكره أولئك اليهود وتزدريهم وتنفر منهم.
وما قامت لليهود تلك الدولة إلا لأن المسلمين قد فرطوا في حق خالقهم، وفي حق أنفسهم، ولم يأخذوا بالأسباب التي شرعها الله لهم لحرب أعدائهم فكانت النتيجة أن أقام اليهود دولة لهم في قلب البلاد الإسلامية وعند ما يعود المسلمون إلى الأخذ التام الكامل بتعاليم دينهم وإلى مباشرة الأسباب التي شرعها الله مباشرة سليمة، عند ما يفعلون ذلك تعود إليهم عزتهم المسلوبة وكرامتهم المغصوبة.
وصدق الله إذ يقول: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ.
هذا وقوله- تعالى- وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً إخبار عن عقوبة أخرى من عقوباتهم المتنوعة بسبب كفرهم وجحودهم، وتتمثل هذه العقوبة في تفريقهم في الأرض، وتمزيقهم شر ممزق حتى لا تكون لهم شوكة.
وأُمَماً حال من مفعول قَطَّعْناهُمْ أو مفعول ثان لقطعناهم على أنه بمعنى صيرناهم.
أى: أن هؤلاء اليهود قد مزقناهم في الأرض شر ممزق بسبب عصيانهم وفسوقهم، وصيرناهم فرقا متقطعة الأوصال، مشتتة الأهواء. وقوله مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ بيان لحالهم.
أى: من هؤلاء اليهود قلة آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فصلح حالها، وحسنت عاقبتها، ومنهم كثرة منحطة عن رتبة أولئك المؤمنين الصالحين، بسبب فسوقهم عن