يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.. فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين.
وروى أبو داود والنسائي وابن جرير وابن مردويه- واللفظ له- عن ابن عباس قال:
«لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا، فتسارع في ذلك شبان القوم، وبقي الشيوخ تحت الرايات. فلما كانت المغانم جاءوا يطلبون الذي جعل لهم.
فقال الشيوخ: لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءا لكم، لو انكشفتم لثبتم إلينا. فتنازعوا، فأنزل الله- تعالى-: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ...
وقال الثوري، عن الكلبي، عن أبى صالح عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل قتيلا فله كذا وكذا، ومن أتى بأسير فله كذا وكذا» ، فجاء أبو اليسر بأسيرين، فقال: يا رسول الله صلى الله عليك- أنت وعدتنا. فقام سعد بن عبادة فقال: يا رسول الله، إنك لو أعطيت هؤلاء لم يبق لأصحابك شيء، وإنه لم يمنعنا من هذا زهادة في الأجر ولا جبن عن العدو، وإنما قمنا هذا المقام محافظة عليك مخافة أن يأتوك من ورائك. فتشاجروا، ونزل القرآن: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن سلمة عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبى أمامة قال: سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال فقال: فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل، وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء- أى: على السواء «١» .
هذه بعض الروايات التي وردت في سبب نزول هذه الآيات، ومنها يتبين لنا أن نزاعا حدث بين بعض الصحابة الذين اشتركوا في غزوة بدر، حول الغنائم التي ظفروا بها من هذه الغزوة، فأنزل الله- تعالى- في هذه الآيات بيان حكمه فيها.
والضمير في قوله يَسْئَلُونَكَ يعود إلى بعض الصحابة الذين اشتركوا في غزوة بدر، وصح عود الضمير إليهم مع أنهم لم يسبق لهم ذكر، لأن السورة نزلت في هذه الغزوة، ولأن هؤلاء الذين اشتركوا فيها هم الذين يهمهم حكمها، ويعنيهم العلم بكيفية قسمتها.
قال الإمام الرازي- ما ملخصه-: فإن قيل من هم الذين سألوا؟ فالجواب: إن قوله يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ إخبار عمن لم يسبق ذكرهم، وحسن ذلك هاهنا، لأنه في حالة النزول كان السائل عن هذا السؤال معلوما معينا فانصرف اللفظ إليهم. ولا شك أنهم كانوا