وقد صبروا واتقوا وأتاهم المشركون من مكة فورا حين استنفرهم أبو سفيان لإنقاذ العير..
فكان المدد خمسة آلاف..
واختار ابن جرير أنهم وعدوا بالمدد بعد الألف، ولا دلالة في الآيات على أنهم أمدوا بما زاد على ذلك، ولا على أنهم لم يمدوا، ولا يثبت شيء من ذلك إلا بنص.
وهذا بناء على أن المدد الذي وعد الله به المؤمنين في آيات سورة آل عمران كان خاصا بغزوة بدر.
أما على الرأى القائل بأن هذا المدد الذي بتلك الآيات كان خاصا بغزوة أحد فلا يكون هناك إشكال بين ما جاء في السورتين.
وقد بسط القول في هذه المسألة الإمام ابن كثير فقال ما ملخصه:
«اختلف المفسرون في هذا الوعد هل كان يوم بدر أو يوم أحد على قولين:
أحدهما: أن قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ متعلق بقوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ.
وهذا قول الحسن والشعبي والربيع بن أنس وغيرهم..
، فإن قيل فكيف الجمع بين هذه الآيات- التي في سورة آل عمران وبين قوله في سورة الأنفال-: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ.
فالجواب: أن التنصيص على الألف هنا، لا ينافي الثلاثة الآلاف فما فوقها لقوله- تعالى- مُرْدِفِينَ بمعنى يردفهم غيرهم ويتبعهم ألوف أخر مثلهم.
قال الربيع بن أنس: أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف» .
والقول الثاني يرى أصحابه أن هذا الوعد- وهو قوله- تعالى-: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ. متعلق بقوله- قبل ذلك- وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ. وذلك يوم أحد.
وهو قول مجاهد، وعكرمة، والضحاك، وغيرهم.
لكن قالوا: لم يحصل الإمداد بالخمسة الآلاف، لأن المسلمين يومئذ فروا.
وزاد عكرمة: ولا بالثلاثة الآلاف لقوله- تعالى- بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فلم يصبروا بل فروا فلم يمدوا يملك واحد» «١» .
(١) تفسير ابن كثير بتصرف وتلخيص ج ١ ص ٤٠١.