للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضرب الكافرين، سببه أن هؤلاء الكافرين اقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

أى: عاد وهما وخالفوا شرعهما: مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

بأن يسير في غير الطريق الذي أمرا به، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

لهذا المعادى والمخالف.

قال الآلوسى: وقوله: إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ

إما نفس الجزاء، وقد حذف منه العائد عند من يكتفى ولا يلتزم بالعائد في الربط. أى: شديد العقاب له. أو قائم مقام الجزاء المحذوف أى: يعاقبه الله- تعالى- فإن الله شديد العقاب. وأيا ما كان فالشرطية بيان للسببية السابقة بطريق برهاني. كأنه قيل: ذلك العقاب الشديد بسبب المشاقة لله- تعالى- ولرسوله صلى الله عليه وسلم وكل من يشاقق الله ورسوله كائنا من كان، فله بسبب ذلك عقاب شديد، فإن لهم بسبب مشاقة الله ورسوله عقابا شديدا «١» .

ثم يوجه- سبحانه- خطابه على سبيل الالتفات لأولئك الذين شاقوا الله ورسوله، متوعدا إياهم بسوء المصير فيقول: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ فاسم الإشارة ذلِكُمْ يعود إلى ما سبق بيانه من تأييد المؤمنين، وخذلان الكافرين وإنزال العقوبة بهم.

أى ذلكم الذي نزل بكم- أيها الكافرون- من القتل والأسر في بدر، هو العقاب المناسب لطغيانكم وشرككم وعنادكم، فذوقوا آلامه، وتجرعوا غصصه، وعيشوا في مذلته.

هذا في الدنيا، أما في الآخرة فلكم عذاب النار الذي هو أشد وأبقى من عذاب الدنيا.

فاتركوا الكفر، وادخلوا في الإيمان لتنجوا من العذاب وتنالوا الثواب.

قال الجمل ما ملخصه وقوله: ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ.. يجوز فيه وجوه من الإعراب أحدها أن يرفع بالابتداء والخبر محذوف أى ذلكم العقاب. الثاني: أن يرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى: العقاب ذلكم أو الأمر ذلكم وعلى هذين الوجهين يكون قوله فَذُوقُوهُ لا تعلق له بما قبله من جهة الاعراب فهو مستأنف، والوقف يتم على قوله: ذلِكُمْ الثالث: أن يرتفع بالابتداء. والخبر قوله فَذُوقُوهُ وهذا على رأى الأخفش.

وقوله وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ معطوف على قوله ذلِكُمْ أو منصوب على أنه مفعول معه، والمعنى: ذوقوا ما عجل لكم مع ما أجل لكم في الآخرة، ووضع الظاهر فيه موضع المضمر- بأن قال فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ ولم يقل فذوقوه وأن لكم- للدلالة على أن الكفر سبب للعذاب الآجل أو للجمع بينهما «٢» .


(١) تفسير الآلوسى ج ٩ ص ١٧٩.
(٢) حاشية الجمل الجلالين ج ٩ ص ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>