للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدائرة في بدر على أضل الفريقين فقال- تعالى-: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ، وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ.

روى الإمام أحمد والنسائي والحاكم وصححه، عن ثعلبة، أن أبا جهل قال حين التقى القوم- في بدر-: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه- أى فأهلكه- الغداة. فكان المستفتح «١» .

وعن السدى أن المشركين حين خرجوا من مكة إلى بدر أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أهدى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال- تعالى- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا.. الآية «٢» .

قال الراغب: وقوله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ... أى: إن طلبتم الظفر، أو طلبتم الفتاح أى الحكم.. والفتح إزالة الإغلاق والإشكال ... ويقال: فتح القضية فتاحا. أى فصل الأمر فيها وأزال الإغلاق عنها. قال- تعالى-: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ. والاستفتاح: الاستنصار- أى طلب النصر- قال- تعالى- وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ... «٣» .

والمعنى: إن تطلبوا الفتح أى: القضاء والفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ أى: فقد جاءكم الفصل والقضاء فيما طلبتم حيث حكم الله وقضى بينكم وبين المؤمنين، بأن أعزهم ونصرهم لأنهم على الحق، وخذلكم وأذلكم لأنكم على الباطل.

فالخطاب مسوق للكافرين على سبيل التهكم بهم، والتوبيخ لهم، حيث طلبوا من الله- تعالى- القضاء بينهم وبين المؤمنين، والنصر عليهم، فكان الأمر على عكس ما أرادوا حيث حكم الله فيهم بحكمه العادل وهو خذلانهم لكفرهم وجحودهم، وإعلاء كلمة المؤمنين، لأنهم على الطريق القويم.

وقوله: وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أى: وإن تنتهوا عن الكفر وعداوة الحق، يكن هذا الانتهاء خيرا لكم من الكفر ومحاربة الحق.

وقوله: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ ... تحذير لهم من التمادي في الباطل بعد ترغيبهم في الانقياد للحق.

أى: وَإِنْ تَعُودُوا إلى محاربة الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وعداوتهم نَعُدْ


(١) نفس المرجع السابق.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٩ ص ٢٠٨.
(٣) المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص ٣٧٠- بتصرف وتلخيص.

<<  <  ج: ص:  >  >>