رد عليهم بما يكشف عن جهلهم وجهل جميع الحاسدين، لأن الحاسد لغباوته يسخط على قدر الله، ويعترض عليه لإنعامه- سبحانه- على المحسود والله- تعالى- هو صاحب التصرف المطلق في الإعطاء والمنع فكان من الواجب على هؤلاء الذين لا يودون أن ينزل أى خير على المؤمنين أن يريحوا أنفسهم من هذا العناء، وأن يتحولوا عن ذلك الغباء، لأن الله- تعالى- يهب خيره لمن يشاء.
والاختصاص بالشيء: الانفراد به، تقول: اختص فلان بكذا أى انفرد به، ويستعمل متعديا إلى المفعول به، فتقول: اخصصت فلانا بكذا أى أفردته به وجعلته مقصورا عليه.
وعلى هذا الوجه ورد الاختصاص في الآية الكريمة.
وقيد- سبحانه- اختصاص رحمته بمن يشاء ليعلم الناس جميعا، أن إفراد بعض عباده بالرحمة منوط بمشيئته وحدها، وليس لأحد كائنا من كان أى تأثير في ذلك.
ومفعول المشيئة محذوف كما هو الشأن فيه إذا تقدم عليه كلام أو تأخر عنه. أى: يختص برحمته من يشاء اختصاصه بها، وهي تتناول النبوة. والقرآن، والنصر، وكل ذلك مما لا يود الكافرون إنزاله على المؤمنين.
وقوله تعالى: وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ تذييل لما سبق أى كل خير يناله العباد في دينهم أو دنياهم إنما هو من عنده- تعالى- يتفضل به عليهم، وفي ذلك إشعار للحاسدين بأن يقلعوا عن حسدهم، وتعريض باليهود وغيرهم ممن حسدوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم على أن آتاه الله النبوة، فكأنه- سبحانه- يقول لهم: إنى أصطفى للنبوة من أشاء من عبادي وهي لا تدرك بالأمانى، ولكني أهبها لمن هو أهل لها.
وبذلك تكون الآية الكريمة قد حذرت المؤمنين مما يبيته لهم الكافرون من حقد وبغضاء وبشرتهم بأن ما يبيتونه لن يضرهم ما داموا معتصمين بكتاب ربهم، وسنة نبيهم.
ثم انتقل القرآن إلى الحديث عن موضع النسخ الذي أثار اليهود حوله الشبهات، وجادلوا فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم.
لقد استنكر اليهود أن يبدل الله آية بآية، أو حكما بحكم، وقالوا: ألا ترون إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا، ما هذا من شأن الأنبياء وما هذا القرآن إلا من كلام محمد، يقوله من تلقاء نفسه، وهو كلام يناقض بعضه بعضا.
ولم يترك القرآن الكريم تلك الشبهات التي أثارها اليهود حول شريعة الإسلام بدون