وإنما حسن إطلاق لفظ القلب على الأمانى الحاصلة في القلب، لأن تسمية الشيء باسم ظرفه جائزة كقولهم: سال الوادي، «١» .
والذي نراه أن القول الثاني أولى بالقبول، لأن الآية الكريمة ساقته لحض المؤمنين على سرعة الاستجابة للحق الذي دعاهم إليه رسوله صلى الله عليه وسلم والذي باتباعه يحيون حياة طيبة، وتذكيرهم بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب، كما قال- تعالى- في ختامها وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.
وليست مسوقة لإثبات قدرة الله، وأنه أملك لقلوب عباده منهم: وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء.
فالمعنى الذي ذكره ابن جرير- وتابعه عليه ابن كثير وغيره، معنى وجيه في ذاته، إذ لا ينكر أحد أن الله مقلب القلوب ومالكها.. ولكن ليس مناسبا هنا مناسبة المعنى الذي ذكره الزمخشري والرازي، لأن الآية التي معنا والتي بعدها صريحتان في دعوة المؤمنين إلى الاستجابة للحق قبل أن يفاجئهم الموت، وقبل أن تحل بهم مصيبة لا تصيب الظالمين منهم خاصة.
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بعزيمة صادقة، وسرعة فائقة، إِذا دَعاكُمْ الرسول- صلى الله عليه وسلم- لِما يُحْيِيكُمْ أى لما به تحيون حياة طيبة من الأقوال والأعمال الصالحة وَاعْلَمُوا علما يقينا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أى يحول بين المرء وبين ما يتمناه قلبه من شهوات الدنيا ومتعها: فكم من إنسان يؤمل أنه سيفعل كذا غدا، وسيجمع كذا في المستقبل، وسيحصل على كذا قريبا..
ثم يحول الموت ويفصل بينه وبين آماله وأمانيه.. فبادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة من قبل أن يفاجئكم الموت.
وقوله: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ تذبيل قصد به تذكيرهم بأهوال يوم القيامة. والضمير في قوله وَأَنَّهُ يعود إلى الله تعالى- أو هو ضمير الشأن. أى: وأنه- سبحانه- إليه وحده ترجعون لا إلى غيره، فيحاسبكم على ما قدمتم وما أخرتم، ويجازى كل إنسان بما يستحقه من خير أو شر.
فأنت ترى أن الآية الكريمة قد جمعت بين الترغيب. في العمل الصالح بسرعة ونشاط، وبين الترهيب من التكاسل والغفلة عن طاعة الله.
ثم يؤكد- سبحانه- بعد ذلك ترهيبه لهم من التراخي في تغيير المنكر فيقول: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٤٨- وقد ذكر بضعة أقوال غير هذا القول فراجعه إن شئت. [.....]