هذا، وقد دلت الآية الكريمة على وجوب الإقلاع عن المعاصي، ووجوب محاربة مرتكبيها، فإن الأمة التي تشيع فيها المعاصي والمظالم والمنكرات.. ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها، تستحق العقوبة جزاء سكوتها واستخذائها وجبنها.
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الآية الكريمة نزلت في حق بعض الصحابة الذين اشتركوا في واقعة الجمل فيما بعد.
ولكن هذا القول غير صحيح لأن الآية الكريمة تخاطب المؤمنين جميعا في كل زمان ومكان، وتأمرهم بالبعد عن المعاصي والمنكرات التي تفضى بهم إلى العذاب الدنيوي قبل الأخروى. وليست خاصة بفريق دون فريق.
لذا قال ابن كثير: والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد عن عدى بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله- تعالى- لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة» .
وروى الإمام أحمد أيضا عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي وهم أعز وأكثر ممن يعملون، ثم لم يغيروه، إلا عمهم الله بعقاب» «١» .
وقال الإمام القرطبي: قال ابن عباس: أمر الله المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب.
ففي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له:
يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا كثر الخبث» .
وفي صحيح الترمذي: «إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه، أو شك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» .
وفي صحيح البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا- أى اقترعوا- على سفينة فأصاب بعضهم أغلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» .
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٩٩- وهناك أحاديث أخرى ذكرها في هذا فراجعها إن شئت.