وفي كل ما تأتون وما تذرون.
وقوله وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ نهى لهم عن الاختلاف المؤدى إلى الفشل وضياع القوة بعد أمرهم بالثبات والمداومة على ذكر الله وطاعته.
وقوله تَنازَعُوا من النزع بمعنى الجذب وأخذ الشيء.. والتنازع والمنازعة المجاذبة كأن كل واحد من المتنازعين يريد أن ينزع ما عند الآخر ويلقى به.
والمراد بالتنازع هنا: الخصام والجدال والاختلاف المفضى إلى الفشل أى: الضعف.
قال الآلوسى: وقوله: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، قال الأخفش: الريح مستعارة للدولة.
لشبهها بها في نفوذ أمرها وتمشيه، ومن كلامهم هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة وجرى أمره على ما يريد. وركدت رياحه إذا ولت عنه وأدبر أمره. قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ... فإن لكل خافقة سكون
ولا تغفل عن الإحسان فيها ... فما تدرى السكون متى يكون «١» .
والمعنى: كونوا- أيها المؤمنون- ثابتين ومستمرين على ذكر الله وطاعته عند لقاء الأعداء، ولا تنازعوا وتختصموا وتختلفوا، فإن ذلك يؤدى بكم إلى الفشل أى الضعف، وإلى ذهاب دولتكم، وهوان كلمتكم، وظهور عدوكم عليكم.
وَاصْبِرُوا على شدائد الحرب، وعلى مخالفة أهوائكم التي تحملكم على التنازع، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بتأييده ومعونته ونصره.
هذا والمتأمل في هاتين الآيتين يراهما قد رسمتا للمؤمنين في كل زمان ومكان الطريق التي توصلهم إلى الفلاح والظفر.
إنهما يأمران بالثبات، والثبات من أعظم وسائل النجاح، لأنه يعنى ترك اليأس والتراجع وأقرب الفريقين إلى النصر أكثرهما ثباتا.
ويأمران بمداومة ذكر الله، لأن ذكر الله هو الصلة التي تربط الإنسان بخالقه الذي بيده كل شيء، ومتى حسنت صلة الإنسان بخالقه، صغرت في عينه قوة أعدائه مهما كبرت.
ويأمران بطاعة الله ورسوله، حتى يدخل المؤمنون المعركة بقلوب نقية، وبنفوس صافية ... لا مكان فيها للتنازع والاختلاف المؤدى إلى الفشل، وذهاب القوة.. ويأمران بالصبر، أى بتوطين النفس على ما يرضى الله، واحتمال المكاره والمشاق في جلد. وهذه
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ١٤.