للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العباس: فأعطانى الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام، عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به. مع ما أرجو من مغفرة الله- تعالى- «١» .

وفي صحيح البخاري عن أنس: أن رجالا من الأنصار قالوا: يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه.

فقال صلى الله عليه وسلم: «لا والله! لا تذرون منه درهما» . هذا، والآية الكريمة وإن كانت قد نزلت في العباس إلا أنها عامة في جميع الأسرى إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولأن الخطاب فيها موجه إلى سائر الأسرى لا إلى فرد منهم دون آخر.

والمعنى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ أى: قل للذين تحت تصرف أيديكم مِنَ الْأَسْرى أى: من أسرى المشركين في بدر الذين أخذتم منهم الفداء لتطلقوا سراحهم.

قل لهم- أيها النبي الكريم- إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً أى: إيمانا وتصديقا وعزما على اتباع الحق ونبذ الكفر والعناد.. إن يعلم الله- تعالى- منكم ذلك يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من فداء، بأن يخلفه عليكم في الدنيا، ويمنحكم الثواب الجزيل في الآخرة.

ولقد صدق الله- تعالى- وعده مع من آمن وعمل صالحا من هؤلاء الأسرى، فأعطاهم الكثير من نعمه كما قال العباس- رضى الله عنه- وقوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ زيادة في حضهم على الدخول في الإيمان.

وقوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييل قصد به تأكيد ما قبله من الوعد بالخير والمغفرة.

أى: والله- تعالى- واسع المغفرة، والرحمة لمن استجاب للحق، وقدم العمل الصالح.

والتعبير، بقوله: لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ للإشعار بأن هؤلاء الأسرى المشركين قد صاروا في قبضة المؤمنين وتحت تصرفهم، حتى لكأن أيديهم قابضة عليهم.

وأسند وجود الخير في قلوبهم إلى علم الله- تعالى- للإشارة إلى أن ادعاء الإيمان باللسان فقط لا يكفل لهم الحصول على الخير الذي فقدوه ولا يوصلهم إلى مغفرة الله- تعالى- فعليهم أن يخلصوا لله في إيمانهم حتى ينالوا فضله وثوابه، فهو- سبحانه- عليم بذات الصدور.

وقوله: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ. إنذار لهم بسوء المصير إذا ما لجوا في عنادهم وغدرهم، وبشارة من الله- تعالى- لرسوله والمؤمنين بأن العاقبة ستكون لهم.


(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>