للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا مذهب الإمام الشافعى وطائفة من العلماء، وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة مقرر في موضعه» «١» .

٣- أن الذين شهدوا بدرا من المسلمين كانت لهم مكانتهم السامية، ومنزلتهم العالية، عند الله- تعالى-.

ومما يدل على ذلك أنه- سبحانه- عفا عن خطئهم في أخذ الفداء من الأسرى ثم زادهم فضلا ومنة فجعل غنائم الحرب حلالا لهم، بعد أن كانت محرمة على أتباع الرسل السابقين.

ففي البخاري عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي. نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتى أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» «٢» .

٤- أن الإسلام لا يستبقى الأسرى لديه للإذلال والقهر والاستغلال، وإنما يستبقيهم ليوقظ في فطرتهم نور الحق الذي باتباعه يعوضهم الله عما أخذ منهم في الدنيا، ويمنحهم ثوابه ومغفرته في الآخرة.

أما إذا استمروا في عداوتهم للحق، فإن الدائرة ستدور عليهم.

٥- أن الإيمان لا يكون صحيحا إلا إذا صاحبه التصديق والإذعان.

قال ابن العربي: لما أسر من أسر من المشركين في بدر، تكلم قوم منهم بالإسلام، ولم يمضوا فيه عزيمة، ولا اعترفوا به اعترافا جازما، ويشبه أنهم أرادوا أن يتقربوا من المسلمين ولا يبعدوا عن المشركين فنزلت الآية: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى..

الآية.

قال علماؤنا: إن تكلم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ولم يمض فيه عزيمة لم يكن مؤمنا، وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا إلا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر المرء على دفعها، فإن الله قد عفا عنها وأسقطها.

وقد بين الله لرسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة فقال: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ أى إن كان هذا القول منهم خيانة ومكرا فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ بكفرهم ومكرهم بك وقتالهم لك، فأمكنك منهم. وإن كان هذا القول منهم خيرا ويعلمه الله فيقبل ذلك منهم، ويعوضهم خيرا مما


(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٢٧.
(٢) صحيح البخاري «باب التيمم» ج ١ ص ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>