للإجابة على هذا السؤال ذكر العلماء أقوالا متعددة لخصها القرطبي تلخيصا حسنا فقال:
واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة على أقوال خمسة:
الأول: - أنه قيل كان من شأن العرب في زمانها في الجاهلية، إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه، كتبوا إليهم كتابا ولم يكتبوا فيه بسملة فلما نزلت سورة براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم والمشركين، بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهود من ترك البسملة.
وقول ثان: - روى النسائي قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد قال: حدثنا عوف، قال: حدثنا يزيد الرقاشي- وفي صحيح الترمذي يزيد الفارسي- قال: قال لنا ابن عباس: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى «الأنفال» وهي من المثاني، وإلى «براءة» وهي من المئين فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال فما حملكم على ذلك؟
قال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الشيء يدعو بعض من يكتب عنده فيقول: «ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا» وكانت «الأنفال» من أوائل ما أنزل- أى بعد الهجرة، و «براءة» من آخر القرآن نزولا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم.
وقول ثالث: روى عن عثمان أيضا. وقال مالك فيما رواه ابن وهب وابن القاسم وابن عبد الحكم: إنه لما سقط أولها سقط بسم الله الرحمن الرّحيم معه.
وروى ذلك عن ابن عجلان أنه بلغه أن سورة «براءة» كانت تعدل البقرة أو قربها فذهب منها: فلذلك لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم.
وقال سعيد بن جبير: كانت مثل سورة البقرة.
وقول رابع: - قاله خارجة وأبو عصمة وغيرهما. قالوا: لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: براءة والأنفال سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فتركت بينهما فرجة لقول من قال إنهما سورتان وتركت بسم الله الرحمن الرحيم لقول من قال هما سورة واحدة، فرضي الفريقان معا، وثبت حجتاهما في المصحف.