للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما القول الثاني- وهو الحديث الذي رواه النسائي والترمذي- فقد علق عليه أحد العلماء المحققين بقوله: «في إسناده نظر كثير، بل هو عندي ضعيف جدا، بل هو حديث لا أصل له. يدور إسناده في كل رواياته على «يزيد الفارسي» .. ويزيد الفارسي هذا اختلف فيه: أهو يزيد بن هرمز أم غيره.

قال البخاري في التاريخ الكبير: «قال لي على: قال عبد الرحمن: يزيد الفارسي هو ابن هرمز. قال: فذكرته ليحيى فلم يعرفه، قال: «وكان يكون مع الأمراء» . وفي التهذيب:

«قال ابن أبى حاتم: اختلفوا هل هو يعنى ابن هرمز يزيد الفارسي أو غيره ...

فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا الحديث يكاد يكون مجهولا، حتى شبه على مثل ابن مهدى وأحمد والبخاري أن يكون هو ابن هرمز أو غيره.

ويذكره البخاري في الضعفاء، فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي، قراءة وسماعا وكتابة في المصاحف. وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه، وحاشاه من ذلك.

فلا علينا إذا قلنا إنه «حديث لا أصل له» تطبيقا للقواعد الصحيحة التي لا خلاف فيها بين أئمة الحديث.

قال السيوطي في تدريب الراوي في الكلام على أمارات الحديث الموضوع: أن «يكون منافيا لدلالة الكتاب القطعية، أو السنة المتواترة، أو الإجماع القطعي» ... «١» .

وأما القول الثالث الذي يقول «إنه لما سقط أولها سقط معه بسم الله الرحمن الرحيم ... »

فهو قول ساقط لا يعتد به، لأنه لا دليل عليه ولا سند له، ويؤدى الالتفات إليه إلى المساس بقداسة القرآن الكريم، حيث إن بعض سوره كانت طويلة ثم سقط منها ما سقط.

وأما القول الرابع الذي يزعم قائلوه أن بعض الصحابة قال: «براءة والأنفال سورة واحدة ... » فهو قول ضعيف ولا يعتد به- أيضا- كسابقه، لأنه قد عرف واشتهر بأنهما سورتان مستقلتان منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.

ولأن الذي يقرأ السورتين بإمعان وتدبر، يرى أن لكل منهما موضوعاتها الخاصة بها، والتي اهتمت بها أكثر من غيرها، فسورة الأنفال تحدثت باستفاضة عن غزوة بدر وما يتعلق بها..

بينما سورة التوبة قد تحدثت باستفاضة عن غزوة تبوك أى في السنة التاسعة.


(١) راجع «المسند للإمام أحمد» شرح وتحقيق الأستاذ الشيخ أحمد شاكر. ج ١ حديث رقم ٢٩٩ طبعة دار المعارف.
الطبعة الثالثة سنة ١٩٤٩. فقد تكلم الأستاذ أحمد شاكر على هذا الحديث كلاما طويلا فانظره.

<<  <  ج: ص:  >  >>