عهد متى رأى الإمام مصلحة الأمة في ذلك، كأن خيف منهم خيانة، أو نقضوا شيئا من شروط المعاهدة، أو وضعت المعاهدة على غير شرط احترامها الشرعي، وذلك كله أخذا من هذا المقام، ومن قوله- تعالى- في سورة الأنفال: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ.
كما يؤخذ أن عقد المعاهدات إنما هو حق للجماعة، يوافق عليه أصحاب الرأى والاختصاص في موضوع المعاهدة، وما هو في مصلحة الجماعة، ثم يباشرها الإمام بعد ذلك نيابة عن الجماعة «١» .
وقوله- تعالى-: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ... بيان للمهلة التي منحها- سبحانه- للمشركين ليدبروا فيها أمرهم.
والسياحة في الأصل: جريان الماء وانبساطه على موجب طبيعته، ثم استعملت في الضرب في الأرض والاتساع في السير والتجوال. يقال: ساح فلان في الأرض سيحا وسياحة وسيوحا إذا تنقل بين أرجائها كما يشاء.
والخطاب للمؤمنين على تقدير القول. أى: فقولوا أيها المؤمنون للمشركين سيحوا في الأرض أربعة أشهر.
ويجوز أن يكون الخطاب للمشركين أنفسهم على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الحضور، لقصد تهيئة خطابهم بالوعيد المذكور بعد ذلك في قوله- سبحانه- وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ.
والمقصود بالأمر في قوله: فَسِيحُوا الإباحة والإعلام بحصول الأمان لهم في تلك المدة من أن يقتلوا أو يقاتلوا أو يعتدى عليهم..
والمعنى: قولوا أيها المسلمون للمشركين- بعد هذه البراءة منهم، سيحوا في الأرض، أى: سيروا فيها مقبلين ومدبرين حيث شئتم وأنتم آمنون في هذه المدة.
وفي التعبير بقوله فَسِيحُوا من الدلالة على كمال التوسعة، ما ليس في قوله سِيرُوا أو ما يشبهه، لأن لفظ السياحة يدل على الاتساع في السير والبعد عن المدن، وعن موضع العمارة.
(١) تفسير القرآن الكريم ص ٦١٢ لفضيلة الإمام الأكبر محمود شلتوت. [.....]