اسْتَجارَكَ والمعنى: وإن استأمنك- يا محمد- أحد من المشركين، وطلب جوارك وحمايتك بعد انقضاء مدة الأمان المحددة له، فَأَجِرْهُ أى: فأمنه وأجبه إلى طلبه، حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ أى: لكي يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه من تعاليم مقنعة للعقول السليمة بأن الشرك ظلم عظيم..
واقتصر على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة، وقد كان سماع بعضهم لشيء من كلام الله سببا في هدايته.
وقوله: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ بيان لما يجب على المسلمين نحو هذا المشرك المستجير إذا ما استمع إلى كلام الله ثم بقي على شركه.
أى: عليك- يا محمد- أن تجيره حتى يسمع كلام الله ويتدبره ولا يبقى له عذر في الإصرار على شركه، فإن آمن بعد سماعه صار من أتباعك، وإن بقي على شركه وأراد الرجوع إلى جماعته، فعليك أن تحافظ عليه حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره، وهو ديار قومه: ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك، ويعامل بما يعاملون به.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ يعود إلى الأمر بالإجارة وإبلاغ المأمن.
أى: ذلك الذي أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم، بسبب أنهم قوم لا يعلمون الإسلام ولا حقيقة ما تدعوهم إليه أى قوم يحتاجون إلى فترة من الوقت يسمعون كلام الله فيها وهم آمنون، وبهذا السماع منك ومن أصحابك لا يبقى لهم عذر أصلا في استمرارهم على الباطل.
عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من المشركين إلى على بن أبى طالب فقال: إن أراد الرجل منا أن يأتى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أو لحاجة: قتل؟
فقال له على لا، لأن الله يقول وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ الآية «١» .
هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتى:
١- أن المستأمن لا يؤذى، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه مادام في دار الإسلام، وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير، ومن ذلك ما رواه البخاري والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برىء من القاتل وإن كان المقتول كافرا» .
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٤٢٨.