للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: لم خصت هذه الأعضاء بالكي؟

قلت: لأنهم لم يطلبوا بأموالهم- حيث لم ينفقوها في سبيل الله- إلا الأغراض الدنيوية، من وجاهة عند الناس، وتقدم، وأن يكون ماء وجوههم مصونا عندهم، يتلقون بالجميل ويحيون بالإكرام، ويبجلون ويحتشمون، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم، كما ترى أغنياء زمانك، هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم، لا يخطر ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ذهب أهل الدثور بالأجر كله» .

وقيل: لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه، وتولوا بأركانهم، وولوه ظهورهم..» «١» .

وقوله: هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ مقول لقول محذوف.

والتفسير: تقول لهم ملائكة العذاب على سبيل التبكيت والتوبيخ، وهي تتولى حرق جباههم وجنوبهم وظهورهم: هذا العذاب الأليم النازل بكم في الآخرة هو جزاء ما كنتم تكنزونه في الدنيا من مال لمنفعة أنفسكم دون أن تؤدوا حق الله فيه. فذوقوا وحدكم وبال كنزكم. وتجرعوا غصصه، وتحملوا سوء عاقبته فأنتم الذين جنيتم على أنفسكم، لأنكم لم تشكروا الله على هذه الأموال. بل استعملتموها في غير ما خلقت له.

هذا، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من هاتين الآيتين ما يأتى.

١- التحذير من الانقياد لدعاة السوء، ومن تقليدهم في رذائلهم وقبائحهم ووجوب السير على حسب ما جاء به الإسلام من تعاليم وتشريعات ...

ولذا قال ابن كثير عند تفسيره للآية الأولى: والمقصود التحذير من علماء السوء، وعباد الضلال، كما قال سفيان بن عيينة: من فسد من علمائنا كان فيه شبه من أحبار اليهود، ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من رهبان النصارى.

وفي الحديث الصحيح: «لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة» قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن» ؟ وفي رواية: فارس والروم؟ قال: «فمن الناس إلا هؤلاء» والحاصل التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم «٢» .

هذا، ونص الحديث الصحيح الذي ذكره الإمام ابن كثير- كما رواه الشيخان- هكذا


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٨.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>