للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون الآخر، وجب عليه ما كان في قدرته منهما.

قال القرطبي روى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.

وهذا وصف لأكمل ما يكون الجهاد وأنفعه عند الله- تعالى- فقد حض- سبحانه- على كمال الأوصاف.

وقدم الأموال في الذكر، إذ هي أول مصرف وقت التجهيز، فرتب الأمر كما هو في نفسه «١» .

واسم الإشارة في قوله: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعود إلى المذكور من الأمرين السابقين وهما: النفور والجهاد.

أى: ذلكم الذي أمرتم به من النفور والجهاد في سبيل الله، خير لكم في دنياكم وفي آخرتكم من التثاقل عنهما، إن كنتم من أهل العلم بحقيقة ما بين لكم خالقكم ومربيكم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولقد أدرك المؤمنون الصادقون هذا الخير فامتثلوا أمر ربهم، ونفروا للجهاد في سبيله خفاقا وثقالا، بدون تباطؤ أو تقاعس.

وقد ساق المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآية كثيرا من الأمثلة التي تدل على محبة السلف الصالح للجهاد في سبيل الله، ومن ذلك.

ما جاء عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة براءة، فأتى على هذه الآية: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فقال: أى بنى، جهزوني جهزوني. فقال بنوه. يرحمك الله!! لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبى بكر حتى مات. ومع عمر حتى مات. فنحن نغزو عنك.

فقال: لا، جهزوني. فغزوا في البحر فمات في البحر، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فدفنوه فيها، ولم يتغير- رضى الله عنه.

وقال الزهري: خرج سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه فقيل له: إنك عليل، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكني الحرب كثرت السواد وحفظت المتاع «٢» .

وأخرج ابن جرير عن حيان بن زيد الشرعبى قال: نفرنا مع صفوان بن عمرو، وكان


(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٥٣.
(٢) تفسير القرطبي ج ٨ ص ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>