أى: «إن تصبك» يا محمد حسنة من نصر أو نعمة أو غنيمة- كما حدث يوم بدر- «تسؤهم» تلك الحسنة، وتورثهم حزنا وغما، بسبب شدة عداوتهم لك ولأصحابك.
«وإن تصبك مصيبة» من هزيمة أو شدة- كما حدث يوم أحد- «يقولوا» باختيال وعجب وشماتة «قد أخذنا أمرنا من قبل» .
أى: قد تلافينا ما يهمنا من الأمر بالحزم والتيقظ، من قبل وقوع المصيبة التي حلت بالمسلمين، ولم نلق بأيدينا إلى التهلكة كما فعل هؤلاء المسلمون.
وقوله: وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ تصوير لحالهم، ولما جبلوا عليه من شماتة بالمسلمين.
أى: عند ما تصيب المسلمين مصيبة أو مكروه، ينصرف هؤلاء المنافقون إلى أهليهم وشيعتهم- والفرح يملأ جوانحهم- ليبشروهم بما نزل بالمسلمين من مكروه.
قال الجمل: فإن قلت: فلم قابل الله الحسنة بالمصيبة، ولم يقابلها بالسيئة كما قال في سورة آل عمران: «وإن تصيبكم سيئة يفرحوا بها» ؟.
قلت: لأن الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وهي في حقه مصيبة يثاب عليها، لا سيئة يعاتب عليها، والتي في آل عمران خطاب للمؤمنين» «١» .
وقوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا.. إرشاد للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يكبتهم ويزيل فرحتهم.
أى: «قل» يا محمد- لهؤلاء المنافقين الذين يسرهم ما يصيبك من شر، ويحزنهم ما يصيبك من خير، والذين خلت قلوبهم من الإيمان بقضاء الله وقدره، قل لهم على سبيل التقريع والتبكيت. لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا وقدره علينا «هو مولانا» الذي يتولانا في كل أمورنا، ونلجأ إليه في كل أحوالنا. وعليه وحده- سبحانه نكل أمورنا وليس على أحد سواه.
وقوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ.. إرشاد آخر للرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجواب الذي يخرس ألسنة هؤلاء المنافقين ويزيل فرحتهم.
وقوله: تَرَبَّصُونَ التربص بمعنى الانتظار في تمهل. يقال: فلان يتربص بفلان الدوائر، إذا كان ينتظر وقوع مكروه به.
والحسنيان: مثنى الحسنى. والمراد بهما: النصر أو الشهادة.
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٨٨.