للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة لوجوههم وأدبارهم عند قبض أرواحهم وما يتبع ذلك من عذابهم في قبورهم إلى أن تقوم الساعة، فيجدون العذاب الأكبر الذي عبر عنه- سبحانه- بقوله ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ.

أى: ثم يعودون ويرجعون إلى خالقهم- سبحانه- يوم القيامة فيعذبهم عذابا عظيما بسبب إصرارهم على النفاق، ورسوخهم في المكر والخداع.

قال أبو السعود: ولعل تكرير عذابهم، لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق، أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه. ويجوز أن يكون المراد بالمرتين مجرد التكثير، كما في قوله تعالى فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ «١» أى: كرة بعد أخرى «٢» .

ثم بين- سبحانه- حال طائفة أخرى من المسلمين فقال: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً..

قال الآلوسى: قوله: وآخرون اعترفوا بذنوبهم ... بيان لحال طائفة من المسلمين ضعيفة الهمم في أمر الدين، ولم يكونوا منافقين على الصحيح. وقيل هم طائفة من المنافقين إلا أنهم وفقوا للتوبة فتاب الله عليهم «٣» .

والمعنى: ويوجد معكم أيها المؤمنون قوم آخرون من صفاتهم أنهم اعترفوا بذنوبهم أى أقروا بها ولم ينكروها.

وقوله: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً أى خلطوا عملهم الصالح وهو جهادهم في سبيل الله قبل غزوة تبوك، بعمل سيئ وهو تخلفهم عن الخروج إلى هذه الغزوة.

وقوله: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أى عسى الله تعالى: أن يقبل توبتهم، ويغسل، حوبتهم، ويتجاوز عن خطاياهم.

وعبر- سبحانه- بعسى للإشعار بأن ما يفعله تعالى ليس إلا على سبيل التفضل منه، حتى لا يتكل الشخص، بل يكون على خوف وحذر.

وقد قالوا إن كلمة عسى متى صدرت عن الله تعالى- فهي متحققة الوقوع، لأنها صادرة من كريم، والله تعالى أكرم من أن يطمع أحدا في شيء لا يعطيه إياه.

وقوله: إن الله غفور رحيم، تعليل لرجاء قبول توبتهم، إذ معناه، إن الله تعالى كثير المغفرة للتائبين، واسع الرحمة للمحسنين.


(١) سورة الملك الآية ٣.
(٢) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٣٩٣.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>