للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجهد، أصابهم فيها تعب شديد، حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما «١» .

وقال الحسن: كان العشرة منهم يعتقبون بعيرا واحدا، يركب الرجل منهم ساعة ثم ينزل فيركب صاحبه كذلك، وكان النفر منهم يخرجون وليس معهم إلا التمرات اليسيرة فإذا بلغ الجوع من أحدهم أخذ التمرة فلاكها حتى يجد طعمها، ثم يشرب عليها جرعة من الماء..

ومضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم على صدقهم ويقينهم- رضى الله عنهم «٢» .

وقوله: مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ بيان لتناهى الشدة، وبلوغها الغاية القصوى.

أى: تاب- سبحانه- على الذين اتبعوا رسوله من المهاجرين والأنصار، من بعد أن أشرف فريق منهم على الميل عن التخلف عن الخروج إلى غزوة تبوك، لما لابسها وصاحبها من عسر وشدة وتعب.

وفي ذكر «فريق منهم» إشارة إلى أن معظم المهاجرين والأنصار، مضوا معه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك دون أن تؤثر هذه الشدائد في قوة إيمانهم وصدق يقينهم، ومضاء عزيمتهم، وشدة إخلاصهم.

قال الآلوسى ما ملخصه: وفي «كاد» ضمير الشأن و «قلوب» فاعل «يزيغ» والجملة في موضع الخبر لكاد.. وهذا على قراءة «يزيع» بالياء، وهي قراءة حمزة، وحفص، والأعمش. وأما على قراءة «تزيغ» بالتاء، وهي قراءة الباقين. فيحتمل أن يكون «قلوب» اسم كاد «وتزيغ» خبرها، وفيه ضمير يعود على اسمها» «٣» .

وقوله: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ تذييل مؤكد لقبول التوبة ولعظيم فضل الله عليهم. ولطفه بهم.

أى: ثم تاب عليهم- سبحانه- بعد أن كابدوا ما كابدوا من العسر والمشقة ومجاهدة النفس. إنه بهم رءوف رحيم.

قال بعضهم: فإن قلت: قد ذكر التوبة أولا ثم ذكرها ثانيا فما فائدة التكرار؟

قلت: إنه- سبحانه- ذكر التوبة أولا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم، ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى، تعظيما لشأنهم، وليعلموا أنه- تعالى- قد قبل توبتهم، وعفا عنهم، ثم أتبعه بقوله- سبحانه- إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ تأكيدا


(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٤.
(٣) راجع تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٤٠. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>