وإنما لم تذكر تعويلا على ظهورها وانسياق النفس إليها، بعد أن عرف أن مأوى الكافرين النار وبئس القرار..
قال الإمام ابن كثير: يحتمل أن تكون الباء في قوله بِإِيمانِهِمْ للسببية، فيكون التقدير بسبب إيمانهم في الدنيا يهديهم الله يوم القيامة إلى الصراط المستقيم حتى يجوزوه ويخلصوا إلى الجنة، ويحتمل أن تكون للاستعانة كما قال مجاهد: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ:
أى: يكون إيمانهم لهم نورا يمشون به وقال ابن جريج في الآية: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة إذا قام من قبره يعارض صاحبه ويبشره بكل خير فيقول له من أنت؟ فيقول أنا عملك، فيجعل له نوره من بين يديه حتى يدخله الجنة، فذلك قوله- تعالى- يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ. والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة. وريح منتنة فيلزم صاحبه حتى يقذفه في النار..» «١» .
وقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أى: تجرى من تحت منازلهم أو مقاعدهم الأنهار، وهم آمنون مطمئنون في الجنات، يتنعمون فيها بما لا عين رأت ولا أذن سمعت. ولا خطر على قلب بشر.
وقوله: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أى: دعاؤهم في هذه الجنات يكون بقولهم:
سبحانك اللهم. فالدعوى هاهنا بمعنى الدعاء. يقال: دعا يدعو دعاء ودعوى. كما يقال:
شكا يشكو شكاية وشكوى.
ولفظ سبحان: اسم مصدر بمعنى التسبيح وهو منصوب بفعل مضمر لا يكاد يذكر معه.
ولفظ اللهم أصله يا الله، فلما استعمل دون حرف النداء الذي هو «يا» جعلت هذه الميم المشددة في آخره عوضا عن حرف النداء.
قال الإمام الرازي: «ومما يقوى أن المراد من الدعوى هنا الدعاء، أنهم قالوا: اللهم.
وهذا نداء الله- تعالى- ومعنى قولهم: سبحانك اللهم. إنا نسبحك. كقول القانت في دعاء القنوت «اللهم إياك نعبد» .
ثم قال: ويجوز أن يراد بالدعاء العبادة، ونظيره قوله- تعالى-: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أى: وما تعبدون، فيكون معنى الآية: أنه لا عبادة لأهل الجنة إلا أن يسبحوا الله ويحمدوه، ويكون اشتغالهم بذلك الذكر لا على سبيل التكليف، بل على سبيل
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٠٨.