للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الآلوسى: «هذه الآية دلالة على إعجاز القرآن، لأنه صلى الله عليه وسلم تحدى مصاقع العرب بسورة ما منه، فلم يأتوا بذلك، وإلا فلو أتوا بذلك لنقل إلينا، لتوفر الدواعي على نقله» «١» .

هذا وقد عقد صاحب الظلال فصلا طويلا للحديث عن إعجاز القرآن فقال: «وقد ثبت هذا التحدي، وثبت العجز عنه، وما يزال ثابتا ولن يزال، والذين يدركون بلاغة هذه اللغة، ويتذوقون الجمال الفنى والتناسق فيها، يدركون أن هذا النسق من القول لا يستطيعه إنسان، وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية، والأصول التشريعية، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن، يدركون أن النظرة فيه إلى تنظيم الحاجة الإنسانية ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها، والفرص المدخرة فيه لمواجهة الأطوار والتقلبات في يسر ومرونة كل أولئك أكبر من أن يحيط به عقل بشرى واحد، أو مجموعة من العقول في جيل واحد أو في جميع الأجيال، ومثلهم الذين يدرسون النفس الإنسانية ووسائل الوصول إلى التأثير فيها وتوجيهها، ثم يدرسون وسائل القرآن وأساليبه.

فليس هو إعجاز اللفظ والتعبير وأسلوب الأداء وحده، ولكنه الإعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا وفي النظم والتشريعات والتقسيمات وما إليها ... » «٢» .

ثم انتقلت السورة الكريمة من توبيخهم على كذبهم وجحودهم، إلى توبيخهم على جهلهم وغباوتهم فقال- تعالى-: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ....

أى: أن هؤلاء الأشقياء لم يكتفوا بما قالوه في شأن القرآن الكريم من أقاويل فاسدة، بل هرولوا إلى تكذيب ما فيه من هدايات سامية، وآداب عالية، وأخبار صادقة، بدون فهم أو تدبر، وبدون انتظار لتفسير معانيه وأخباره التي لم يهتدوا إلى معرفتها بعد.

قال صاحب الكشاف قوله بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ أى: بل سارعوا إلى التكذيب بالقرآن قبل أن يفقهوه ويعلموا كنه أمره، وقبل أن يتدبروه ويقفوا على تأويله ومعانيه، وذلك لفرط نفورهم عما يخالف دينهم، وشرادهم عن مفارقة دين آبائهم كالناشئ على التقليد من الحشوية، إذا أحس بكلمة لا توافق ما نشأ عليه وألفه، وإن كانت أضوأ من الشمس في ظهور الصحة وبيان الاستقامة أنكرها في أول وهلة، واشمأز منها قبل أن يحسن إدراكها بحاسة سمعه من غير فكر في صحة أو فساد، لأنه لم يشعر قلبه إلا صحة مذهبه، وفساد ما عداه من المذاهب..


(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١١٩. [.....]
(٢) راجع تفسير في ظلال القرآن ج ١١ ص ١٧٨٥ وما بعدها طبعة دار الشروق.

<<  <  ج: ص:  >  >>