انضم إلى فقدان بصرهم فقدان بصيرتهم فأنت ترى أن هاتين الآيتين الكريمتين قد نعتا على المشركين جهالاتهم، وانطماس بصيرتهم، بحيث صاروا لا ينتفعون بنعم الله التي أنعم بها عليهم.
فقد وصمهم- سبحانه- يفقدان السمع والبصر والعقل، مع أنهم يسمعون ويبصرون ويعقلون، لأنهم لما لم يستعملوا نعم الله فيما خلقت له، صارت هي والعدم سواء.
والاستفهام في الآيتين للإنكار والاستبعاد.
وجواب لو في الآيتين محذوف لدلالة ما قبله عليه، والجملة معطوفة على جملة مقدرة مقابلة لها. أى: أفأنت تسمع الصم لو كانوا يعقلون ولو كانوا لا يعقلون، على معنى أفأنت تستطيع إسماعهم في الحالتين؟ كلا لا تستطيع ذلك وإنما القادر على ذلك هو الله وحده.
ثم بين- سبحانه- سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
أى: إن الله- تعالى- قد اقتضت سننه في خلقه، أن لا يظلمهم شيئا، كأن يعذبهم- مثلا- مع إيمانهم وطاعتهم له، أو كأن ينقصهم شيئا من الأسباب التي يهتدون باستعمالها إلى ما فيه خيرهم.. ولكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم، بإيرادها موارد المهالك عن طريق اجتراح السيئات، واقتراف الموبقات، الموجبة للعقوبات في الدنيا والآخرة.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة، قد نفت تصور أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، وتحدت المشركين أن يأتوا بسورة مثله، ووصمتهم بالتسرع في الحكم على شيء لم يحيطوا بعلمه، وأمرت النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت على دعوة الحق، سواء استجاب له الناس أم لم يستجيبوا، وأن الله- تعالى- قد اقتضت حكمته ألا يعذب الناس إلا إذا فعلوا ما يوجب العقوبة، وصدق الله إذ يقول: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً.
وبعد أن بينت السورة الكريمة أحوال أولئك المشركين في الدنيا، ومواقفهم من الدعوة الإسلامية، أتبعت ذلك بالحديث عن أحوالهم يوم الحشر، ومن استعجالهم للعذاب، وعن رد الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم، فقال- تعالى-: