للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعظيم. أى: ما أعظم ما يستعجلون به. كما يقال لمن يطلب أمرا تستوخم عاقبته: ماذا تجنى على نفسك» «١» .

وجواب الشرط لقوله: إِنْ أَتاكُمْ ... محذوف والتقدير: إن أتاكم عذابه في أحد هذين الوقتين أفزعكم وأهلككم فلماذا تستعجلون وقوع شيء هذه نتائجه؟

وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر بعد أن ذكر هذا الوجه فقال: فإن قلت: فهلا قيل ماذا يستعجلون منه؟ قلت: أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام، لأن من شأن المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه، ويهلك فزعا من مجيئه وإن أبطأ- فضلا عن أن يستعجله- ويجوز أن يكون ماذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني «٢» .

وقوله- سبحانه- أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ ... زيادة في تجهيلهم وتأنيبهم والهمزة داخلة على محذوف، وثُمَّ حرف عطف يدل على الترتيب والتراخي وجيء به هنا للدلالة على زيادة الاستبعاد.

والمعنى: إنكم أيها الجاهلون لستم بصادقين فيما تطلبون، لأنكم قبل وقوع العذاب تتعجلون وقوعه، فإذا ما وقع وشاهدتم أهواله. وذقتم مرارته.. آمنتم بأنه حق، وتحول استهزاؤكم به إلى تصديق وإذعان وتحسر.

وقوله: آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ قصد به زيادة إيلامهم وحسرتهم ولفظ آلْآنَ ظرف زمان يدل على الحال الحاضرة، وهو في محل نصب على أنه ظرف لفعل مقدر.

أى: قيل لهم عند إيمانهم بعد وقوع العذاب: آلآن آمنتم بأنه حق؟ مع أنكم قبل ذلك كنتم به تستهزءون، وتقولون للرسول صلى الله عليه وسلم ولأتباعه: مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ألا فلتعلموا: أن إيمانكم في هذا الوقت غير مقبول، لأنه جاء في غير أوانه، وصدق الله إذ يقول: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ «٣» .

وقوله: ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ


(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٣٥٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٠.
(٣) سورة غافر الآيتان ٨٤، ٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>