أى: إن الله لذو فضل عظيم على عباده، حيث خلقهم ورزقهم، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم ومنفعتهم، ولكن أكثرهم لا يشكرونه على هذه النعم، لأنهم يستعملونها في غير ما خلقت له.
وبعد أن ذكر- سبحانه- عباده بفضله، وما يجب عليهم من شكره، عطف على ذلك تذكيره إياهم بإحاطة علمه بكل صغير وكبير في هذا الكون فقال: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ. وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ، وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً....
أى: وما تكون- أيها الرسول الكريم- في شأن من الشئون أو في حال من الأحوال.
وما تتلو من أجل ذلك الشأن من قرآن يهدى الى الرشد.
ولا تعملون- أيها الناس- عملا ما صغيرا أو كبيرا، إلا كنا عليكم مطلعين.
ومن في قوله مِنْهُ للتعليل، والضمير يعود إلى الشأن، إذ التلاوة أعظم شئونه صلى الله عليه وسلم ولذا خصت بالذكر. ويجوز أن يعود للقرآن الكريم، ويكون الإضمار قبل الذكر لتفخيم شأنه، وتعظيم أمره.
ومن في قوله مِنْ قُرْآنٍ مزيدة لتأكيد النفي.
وقال الآلوسى: «والخطاب الأول خاص برأس النوع الإنسانى، وسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم هذا. وقوله وَلا تَعْمَلُونَ ... عام يشمل سائر العباد برهم وفاجرهم وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به، فعبر في مقام الخصوص في الأول بالشأن، لأن عمل العظيم عظيم، وفي الثاني بالعمل العام للجليل والحقير. وقيل: الخطاب الأول عام للأمة أيضا كما في قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ.
وقوله: إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً استثناء مفرغ من أعم أحوال المخاطبين بالأفعال الثلاثة. أى: وما تلابسون بشيء منها في حال من الأحوال إلا حال كوننا رقباء مطلعين عليه، حافظين له» «١» .
وقوله: إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ أى: تخوضون وتندفعون في ذلك العمل، لأن الإفاضة في الشيء معناها الاندفاع فيه بكثرة وقوة.
وقوله: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ بيان لشمول علمه- سبحانه- لكل شيء.
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٤٤. [.....]