فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما» أى فإن استتر وخفى عليكم الهلال وحال دون رؤيتكم له حائل من عغيم أو ضباب فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.
أى: اجمعوا ما تريدون جمعه لي من مكر وكيد واستعينوا على ذلك بشركائكم ثم لا يكن أمركم، الذي أجمعتم على تنفيذه فيه شيء من الستر أو الخفاء أو الالتباس الذي يجعلكم مترددين في المضي فيه أو متقاعسين عن مجاهرتى بما تريدون فعله معى.
ومنهم من يرى أن كلمة غُمَّةً هنا بمعنى الغم كالكربة بمعنى الكرب أى: ثم لا يكن حالكم غما كائنا عليكم بسبب مقامي فيكم وتذكيري إياكم بآيات الله.
وقد أشار صاحب الكشاف الى هذين الوجهين فقال: «فإن قلت: ما معنى الأمرين:
أمرهم الذي يجمعونه وأمرهم الذي لا يكون عليهم غمة؟
قلت: أما الأمر الأول فالقصد إلى إهلاكه يعنى: فأجمعوا ما تريدون من إهلاكى واحتشدوا فيه، وابذلوا وسعكم في كيدي. وإنما قال ذلك إظهارا لقلة مبالاته بهم وثقته بما وعده به ربه من كلاءته وعصمته إياه، وأنهم لن يجدوا إليه سبيلا.
وأما الثاني ففيه وجهان: أحدهما أن يراد مصاحبتهم له وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم، المكروهة عندهم. يعنى: ثم أهلكونى لئلا يكون عيشكم بسببي غصة عليكم. وحالكم عليكم غمة. أى: غما وهما. والغم والغمة كالكرب والكربة.
وثانيهما: أن يراد به ما أريد بالأمر الأول. والغمة السترة من غمه إذا ستره، وفي الحديث «لا غمة في فرائض الله» أى لا تستر ولكن يجاهر بها.
يعنى: ولا يكن قصدكم إلى إهلاكى مستورا عليكم. ولكن مكشوفا مشهورا تجاهروننى به» «١» .
وقوله: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ زيادة في تحديهم وإثارتهم.
والقضاء هنا بمعنى الأداء، من قولهم: قضى المدين للدائن دينه، إذا أداه إليه، وقضى فلان الصلاة. أى أداها بعد مضى وقتها.
أى: ثم أدوا إلى ذلك الأمر الذي تريدون أداءه من إيذائى أو إهلاكى بدون إنظار أو إمهال.
ويصح أن يكون القضاء هنا بمعنى الحكم، أى: ثم احكموا على بما تريدون من أحكام،
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٥ طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٩٦٦.