للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يغنيني عن أجركم وعطائكم وهو- سبحانه- الذي أمرنى أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أى: المنقادين لأمره. المتبعين لهديه، المستسلمين لقضائه وقدره.

ثم بين- سبحانه- العاقبة الطيبة التي آل إليها أمر نوح عليه السلام والعاقبة السيئة التي انتهى إليها حال قومه فقال: فَكَذَّبُوهُ أى: فكذب قوم نوح نبيهم نوحا بعد أن دعاهم إلى الحق ليلا ونهارا وسرا وعلانية.

فماذا كانت نتيجة هذا التكذيب؟ كانت نتيجته كما حكته السورة الكريمة فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ أى: فنجينا نوحا ومن معه من المؤمنين، بأن أمرناهم أن يركبوا في السفينة التي صنعوها بأمر الله، حتى لا يغرقهم الطوفان الذي أغرق المكذبين.

وقوله: وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ أى: وجعلنا هؤلاء الناجين خلفاء في الأرض لأولئك المغرقين الذين كذبوا نبيهم نوحا- عليه السلام- وعموا وصموا عن الحق الذي جاءهم به ودعاهم اليه.

هذه هي عاقبة نوح والمؤمنين معه أما عاقبة من كذبوه فقد بينها- سبحانه- في قوله:

وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أى: وأغرقنا بالطوفان الذين كذبوا بآياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا.

فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ أى: فانظر وتأمل- أيها العاقل- كيف كانت نتيجة تكذيب هؤلاء المنذرين الذين لم تنفع معهم النذر والآيات التي جاءهم بها نبيهم نوح- عليه السلام-.

فالمراد بالأمر بالنظر هنا: التأمل والاتعاظ والاعتبار لا مجرد النظر الخالي عن ذلك.

وهكذا نجد أن من العبر والعظات التي من أجلها ساق الله- تعالى- قصة نوح- عليه السلام- بهذه الصورة الموجزة هنا: إبراز ما كان عليه نوح- عليه السلام- من شجاعة وقوة وهو يبلغ رسالة الله إلى الناس واعتماده التام على خالقه وتوكله عليه وحده وتحديه السافر للمكذبين الذين وضعوا العراقيل والعقبات في طريق دعوته، وتحريضه لهم بمثيرات القول على مهاجمته إن كان في إمكانهم ذلك ومصارحته لهم بأنه في غنى عن أموالهم لأن خالقه- سبحانه- قد أغناه عنهم، وبيان أن سنة الله لا تتخلف ولا تتبدل وهذه السنة تتمثل في أنه- سبحانه- قد جعل حسن العاقبة للمؤمنين وسوء العاقبة للمكذبين.

ثم حكت السورة الكريمة أن الله- تعالى- قد أرسل رسلا كثيرين بعد نوح- عليه السلام- فكان موقف أقوامهم منهم مشابها لموقف قوم نوح منه، فقال- تعالى-:

<<  <  ج: ص:  >  >>