العذاب، أما آباؤهم وأصحاب الجاه فيهم، فقد انحازوا إلى فرعون طمعا في عطائه، وخوفا من بطشه بهم.
ويرى بعض المفسرين أن الضمير في قوله مِنْ قَوْمِهِ يعود إلى فرعون لا إلى موسى.
فيكون المعنى: فما آمن لموسى إلا عدد قليل من شباب قوم فرعون.
قال ابن كثير ما ملخصه مرجحا هذا الرأى: «يخبر الله- تعالى- أنه لم يؤمن بموسى- عليه السلام- مع ما جاء به من الآيات والحجج، إلا قليل من قوم فرعون، من الذرية- وهم الشباب-، على وجل وخوف منه ومن ملئه.
قال العوفى عن ابن عباس: «إن الذرية التي آمنت لموسى من قوم فرعون منهم:
امرأته، ومؤمن آل فرعون، وخازنه، وامرأة خازنه» .
ثم قال: واختار ابن جرير قول مجاهد في الذرية، أنها من بنى إسرائيل، لا من قوم فرعون. لعود الضمير على أقرب مذكور.
وفي هذا نظر، لأن من المعروف أن بنى إسرائيل كلهم آمنوا بموسى. واستبشروا به، فقد كانوا يعرفون نعته وصفته والبشارة به.
وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل؟» «١» .
والذي نراه أن ما اختاره ابن جرير من عودة الضمير إلى موسى- عليه السلام- أرجح، لأن هناك نوع خفاء في إطلاق كلمة الذرية على من آمن من قوم فرعون، ومنهم زوجته، وامرأة خازنه.
ولأنه لا دليل على أن بنى إسرائيل كلهم قد آمنوا بموسى، بل الحق أن منهم من آمن به ومنهم من كفر به، كقارون والسامري وغيرهما.
ولأن رجوع الضمير إلى موسى- عليه السلام- هو الظاهر المتبادر من الآية، لأنه أقرب مذكور، وليس هناك ما يدعو إلى صرف الآية الكريمة عن هذا الظاهر.
ورحم الله ابن جرير فقد قال في ترجيحه لما ذهب إليه من عودة الضمير إلى موسى- عليه السلام- ما ملخصه:
وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية، القول الذي ذكرته عن مجاهد وهو أن الذرية في
(١) تفسير أبن كثير ج ٤ ص ٣٢٣.