الله فهاتوا مثله، وادعوا من شئتم من الخلق لكي يعاونكم في ذلك، أو هاتوا عشر سور من مثله، أو هاتوا سورة واحدة.
فلما عجزوا- وهم أهل الفصاحة والبيان- ثبت أن غيرهم أعجز، وأن هذا القرآن من عند الله، وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.
وقوله: أُحْكِمَتْ آياتُهُ من الإحكام- بكسر الهمزة- وهذه المادة تستعمل في اللغة لمعان متعددة، ترجع إلى شيء واحد هو المنع. يقال: أحكم الأمر. أى: أتقنه ومنعه من الفساد. أى: منع نفسه ومنع الناس عما لا يليق: ويقال أحكم الفرس، إذا جعل له حكمة تمنعه من الجموح والاضطراب.
وقوله: ثُمَّ فُصِّلَتْ من التفصيل، بمعنى التوضيح والشرح للحقائق والمسائل المراد بيانها، بحيث لا يبقى فيها اشتباه أو لبس.
والمعنى: هذا الكتاب الذي أنزلناه إليك يا محمد، هو كتاب عظيم الشأن، جليل القدر، فقد أحكم الله آياته إحكاما بديعا، وأتقنها إتقانا معجزا، بحيث لا يتطرق إليها خلل أو فساد. ثم فصل- سبحانه- هذه الآيات تفصيلا حكيما، بأن أنزلها نجوما، وجعلها سورا سورا، مشتملة على ما يسعد الناس في دنياهم وآخرتهم، من شئون العقائد، والعبادات، والمعاملات، والآداب، والأحكام.
قال صاحب الكشاف ما ملخصه: أُحْكِمَتْ آياتُهُ أى: نظمت نظما رصينا محكما، بحيث لا يقع فيه نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف.. وقيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة، إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح، قال جرير:
أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إنى أخاف عليكمو أن أغضبا
ثُمَّ فُصِّلَتْ كما تفصل القلائد بالفرائد، ومن دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص، أو جعلت فصولا سورة سورة، وآية آية، أو فرقت في التنزيل ولم تنزل جملة واحدة» «١» .
وثُمَّ في قوله- سبحانه- «ثم فصلت» للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل، لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس، لأن العقول ترتاح إلى التفصيل بعد الإجمال، والتوضيح بعد الإيجاز.
وجملة مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ صفة أخرى للكتاب، وصف بها، لإظهار شرفه من