وفي مرجع الضمائر في قوله «ربه- ويتلوه- ومنه» ...
وأقرب هذه الأقوال إلى الصواب أن يكون المقصود بقوله- تعالى- أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنون.
وبقوله تعالى- وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ القرآن الكريم الذي أنزله الله- تعالى- على نبيه صلى الله عليه وسلم ليكون معجزة له شاهدة بصدقه.
والضمير في قوله من ربه يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي قوله وَيَتْلُوهُ يعود إلى القرآن الكريم، وفي قوله مِنْهُ يعود إلى الله- تعالى-.
وعلى هذا القول يكون المعنى: أفمن كان على حجة واضحة من عند ربه تهديه إلى الحق والصواب في كل أقواله وأفعاله، وهو هذا الرسول الكريم وأتباعه ويؤيده ويقويه في دعوته شاهد من ربه هو هذا القرآن الكريم المعجز لسائر البشر..
أفمن كان هذا شأنه كمن ليس كذلك؟
أو أفمن كان هذا شأنه كمن استحوذ عليه الشيطان فجعله لا يريد إلا الحياة الدنيا وزينتها؟ كلا إنهما لا يستويان.
وشهادة القرآن الكريم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته، تتجلى في إعجازه، فقد تحدى النبي صلى الله عليه وسلم أعداءه أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا مع فصاحتهم وبلاغتهم، فثبت بذلك أن هذا القرآن من عند الله- تعالى-.
وإنما جعلنا هذا القول أقرب الأقوال إلى الصواب، لأنه هو الذي يتسق مع ما يفيده ظاهر الآية الكريمة، ولأننا عند ما نقرأ هذه السورة الكريمة وغيرها، نجد الرسل الكرام كثيرا ما يؤكدون لأقوامهم- أنهم- أى الرسل على بينة من ربهم.
فهذا نوح- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ.
وهذا صالح- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً، فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ....
وهذا شعيب- عليه السلام- يقول لقومه: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً..
وهكذا نجد كل نبي يؤكد لقومه أنه جاءهم على بينة من ربه وما دام الأمر كذلك فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل من جاء قومه على بينة من ربه، والمؤمنون به صلى الله عليه وسلم يقتدون به في ذلك.