ثم ضرب- سبحانه- مثلا لفريق الكافرين ولفريق المؤمنين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا أَفَلا تَذَكَّرُونَ.
وقوله: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ ... أى: حالهم وصفتهم.
وأصل المثل بمعنى المثل. والمثل: النظير والشبيه ثم أطلق على القول السائر المعروف لمماثلة مضربه- وهو الذي يضرب فيه- لمورده- أى الذي ورد فيه أولا.
ولا يكون إلا فيما فيه غرابة. ثم استعير للصفة أو الحال أو القصة إذا كان لها شأن عجيب وفيها غرابة.
وإنما تضرب الأمثال لإيضاح المعنى الخفى، وتقريب المعقول من المحسوس وعرض الغائب في صورة الشاهد. فيكون المعنى الذي ضرب له المثل أوقع في القلوب وأثبت في النفوس.
والمعنى: حال الفريقين المذكورين قبل ذلك وهما الكافرون والمؤمنون كحال الضدين المختلفين كل الاختلاف.
أما الكافرون فحالهم وصفتهم كحال وصفة من جمع بين العمى والصمم. لأنهم مع كونهم يرون ويسمعون لكنهم لم ينتفعوا بذلك فصاروا كالفاقد لهما.
وأما المؤمنون فحالهم وصفتهم كحال وصفة من جمع بين البصر السليم والسمع الواعي لأنهم انتفعوا بما رأوا من دلائل تدل على وحدانية الله وقدرته وبما سمعوا من توجيهات تدل على صحة تعاليم الإسلام.
والمقصود من هذا التمثيل. تنبيه الكافرين إلى ما هم عليه من ضلال وجهالة لعلهم بهذا التنبيه يتداركون أمرهم، فيدخلوا في دين الإسلام وتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من حق، وبذلك يزدادون إيمانا على إيمانهم.
والاستفهام في قوله هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا للإنكار والنفي، أى: هل يستوي في الصفة والحال من كان ذا سمع وبصر بمن فقدهما؟ كلا إنهما لا يستويان حتى عند أقل العقلاء عقلا وقوله: أَفَلا تَذَكَّرُونَ حض على التذكر والتدبر والتفكر.
أى: أتشكون في عدم استواء الفريقين؟ لا إن الشك في عدم استوائهما لا يليق بعاقل وإنما اللائق به هو اعتقاد تباين صفتيهما والدخول في صفوف المؤمنين الذين عملوا الأعمال الصالحات وأخبتوا إلى ربهم.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد بينت حال الكافرين وذكرت من أوصافهم أربعة