بفضله ورحمته من العذاب، الذي حل بالكافرين من قومك.
وكان مقتضى الظاهر أن يقال: قال يا نوح اهبط بسلام.. ولكن جاء التعبير بقيل، مسايرة للتعبيرات السابقة في أجزاء القصة، مثل قوله- سبحانه- وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ.. وقوله: وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
وقوله اهْبِطْ بِسَلامٍ.. فيه إشارة إلى أنه كان قبل الهبوط في ضيافة الله ورعايته، وأنه لولا عناية الله به وبمن معه من المؤمنين، لما نجت السفينة من ذلك الطوفان العظيم.
والتعبير بقوله مِنَّا لزيادة التكريم، وتأكيد السلام. أى: انزل بسلام ناشئ من عندنا، وليس من عند غيرنا لأن كل سلام من غيرنا لا قيمة له بجانب سلامنا.
وقوله عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ متعلق بسلام وبركات.
وفي هذا إشارة إلى أنه- سبحانه- سيجعل من ذرية نوح ومن ذرية من معه من المؤمنين، أمما كثيرة تكون محل كرامة الله وأمانه وبركاته.
وقوله- سبحانه- وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ كلام مستأنف مسوق للاحتراز والتحذير من سوء عاقبة المخالفة لأمر الله.
أى: أن الأمم التي تكون من نسلك ومن نسل أتباعك يا نوح على قسمين: قسم منهم له منا السلام، وعليه البركات بسبب إيمانه وعمله الصالح.
وقسم آخر سنمتعه في الدنيا وبالكثير من زينتها وخيراتها، ثم يصيبه يوم القيامة عذاب أليم بسبب جحوده لنعمنا، وعصيانه لرسلنا.
فعلى كل عاقل أن يجتهد في أن يكون من القسم الأول، وأن يتجنب القسم الثاني.
ثم اختتم الله- تعالى- قصة نوح- عليه السلام- مع قومه في هذه السورة، بقوله:
تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ، ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ.
واسم الإشارة تِلْكَ يعود إلى ما قصة الله- تعالى- من قصة نوح مع قومه في هذه السورة.
والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الهام. والغيب: مصدر غاب، وهو مالا تدركه الحواس ولا يعلم ببداهة العقل.
أى: تلك القصة التي قصصناها عليك يا محمد بهذا الأسلوب الحكيم، من أخبار الغيب الماضية، التي لا يعلم دقائقها وتفاصيلها أحد سوانا.