الزمان الذي استغرقه الطوفان فوق الأرض.
وما ورد في ذلك من أقوال وأخبار، أكثرها من الإسرائيليات التي لا يؤيدها دليل من الشرع أو العقل.
ومن المسائل التي تكلم عنها كثير من العلماء، وذهبوا بشأنها مذاهب شتى مسألة الطوفان.
وقد أصدر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده- رحمه الله- فتوى في هذا الشأن، ملخصها كما يقول صاحب المنار: أن ظواهر القرآن والأحاديث أن الطوفان كان عاما شاملا لقوم نوح الذين لم يكن في الأرض غيرهم فيجب اعتقاده، ولكنه لا يقتضى أن يكون عاما للأرض، إذ لا دليل على أنهم كانوا يملؤون الأرض.
وهذه المسائل التاريخية ليست من مقاصد القرآن، ولذلك لم يبينها بنص قطعى، فنحن نقول بما تقدم إنه ظاهر النصوص، ولا نتخذه عقيدة دينية قطعية، فإن أثبت العلم خلافه لا يضرنا، لأنه لا ينقض نصا قطعيا عندنا) «١» .
٦- أن سنة الله- تعالى- في خلقه لا تتخلف ولا تتبدل وهي أن العاقبة للمتقين، مهما طال الصراع بين الحق والباطل، وبين الأخيار والأشرار.
فلقد لبث نوح- عليه السلام- في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده، وقد لقى خلال تلك المدة الطويلة ما لقى من الأذى ... ولكن كانت النتيجة في النهاية نجاته ومن معه من المؤمنين، وإغراق أعدائه بالطوفان العظيم.
ولقد أفاض صاحب الظلال- رحمه الله- وهو يتحدث عن هذا المعنى فقال ما ملخصه:
«ثم نقف الوقفة الأخيرة مع قصة نوح، لنرى قيمة الحفنة المسلمة في ميزان الله- سبحانه-.
إن حفنة من المسلمين من أتباع نوح- عليه السلام- تذكر بعض الروايات، أنهم اثنا عشر، هم كانوا حصيلة دعوة نوح في ألف سنة إلا خمسين عاما.
إن هذه الحفنة- وهي ثمرة ذلك العمر الطويل والجهد الطويل-، قد استحقت أن يغير الله لها المألوف من ظواهر هذا الكون، وأن يجرى لها ذلك الطوفان الذي يغمر كل شيء ...
وأن يجعل هذه الحفنة وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك، وبذرة العمران فيها.
وهذه هي عبرة الحادث الكونى العظيم.
إنه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام، أن يظن أن الله تاركه للجاهلية وهو يدعو إلى
(١) تفسير المنار ج ١٢ ص ١٠٨.