وقوله- سبحانه- إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ بشارة أخرى للوط- عليه السلام- الذي تمنى النصرة على قومه.
أى: إن موعد هلاك هؤلاء المجرمين يبتدئ من طلوع الفجر وينتهى مع طلوع الشمس، أليس الصبح بقريب من هذا الوقت الذي نحدثك فيه؟
قال- تعالى- في سورة الحجر: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ أى: وهم داخلون في وقت الشروق. فكان ابتداء العذاب عند طلوع الصبح وانتهاؤه وقت الشروق.
والجملة الكريمة إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ... كالتعليل للأمر بالإسراء بأهله بسرعة، أو جواب عما جاش بصدره من استعجاله العذاب لهؤلاء المجرمين.
والاستفهام في قوله- سبحانه- أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ للتقرير أى: بلى إنه لقريب.
قال الآلوسى: روى أنه- عليه السلام- سأل الملائكة عن موعد هلاك قومه فقالوا له موعدهم الصبح. فقال: أريد أسرع من ذلك. فقالوا له أليس الصبح بقريب. ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع، ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين «١» .
ثم حكى- سبحانه- في نهاية القصة ما حل بهؤلاء المجرمين من عذاب فقال: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ.
أى: «فلما أمرنا» بإهلاك هؤلاء القوم المفسدين جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها أى: جعلنا أعلى بيوتهم أسفلها، بأن قلبناها عليهم، وهي عقوبة مناسبة لجريمتهم حيث قلبوا فطرتهم، فأتوا الذكران من العالمين وتركوا ما خلق لهم ربهم من أزواجهم ...
وقوله: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ زيادة في عقوبتهم ولعنهم.
أى: جعلنا أعلى قراهم أسفلها، وأمطرنا عليها حجارة مِنْ سِجِّيلٍ أى: من حجر وطين مختلط، قد تجحر وتصلب مَنْضُودٍ أى: متتابع في النزول بدون انقطاع موضوع بعض على بعض، من النضد وهو وضع الأشياء بعضها إلى بعض.
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ أى: معلمة بعلامات من عند ربك لا يعلمها إلا هو، ومعدة إعدادا خاصا لإهلاك هؤلاء القوم.
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٠١.