للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التلطف إلى الإنكار، دفاعا عن جلال ربه- سبحانه- فيقول لهم: قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ....

أى: أرهطي وعشيرتي الأقربون، الذين من أجلهم لم ترجمونى، أعز وأكرم عندكم من الله- تعالى- الذي هو خالقكم ورازقكم ومميتكم ومحييكم ...

وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا أى: وجعلتم أوامره ونواهيه التي جئتكم بها من لدنه- سبحانه- كالشىء المنبوذ المهمل الملقى من وراء الظهر بسبب كفركم وطغيانكم إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أى: إن ربي قد أحاط علمه بأقوالكم وأعمالكم السيئة، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من عذاب مهين.

ثم زاد في توبيخهم وتهديدهم فقال وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ، مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ، وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ والمكانة مصدر مكن ككرم، يقال مكن فلان من الشيء مكانه، إذا تمكن منه أبلغ تمكن، والأمر في قوله اعْمَلُوا للتهديد والوعيد.

أى: اعملوا كل ما في إمكانكم عمله معى، وابذلوا في تهديدى ووعيدي ما شئتم، فإن ذلك لن يضيرنى، وكيف يضيرنى وأنا المتوكل على الله المعتمد على عونه ورعايته ... ؟.

وإنى سأقابل عملكم السيئ هذا بعمل آخر حسن من جانبي، وهو الدعوة إلى وحدانية الله- تعالى- وإلى مكارم الأخلاق.

وقوله سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ ... استئناف مؤكد لتهديده لهم.

أى: اعملوا ما شئتم وأنا سأعمل ما شئت فإنكم بعد ذلك سوف تعلمون من منا الذي ينزل به عذاب يخزيه ويفضحه ويهينه، ومن منا الذي هو كاذب في قوله وعمله.

وَارْتَقِبُوا عاقبة تكذيبكم للحق إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ أى: إنى معكم منتظر ومراقب لما يفعله الله- تعالى- بكم.

وبذلك نرى شعيبا- عليه السلام- في هاتين الآيتين، قد استعمل مع قومه أسلوبا آخر في المخاطبة، يمتاز بالشدة عليهم والتهديد لهم، لا غضبا لنفسه، وإنما لأجل حرمات الله- تعالى-، والدفاع عن دينه.

ولم يطل انتظار شعيب- عليه السلام- ومراقبته لما يحدث لقومه، بل جاء عقاب الله- تعالى- لهم بسرعة وحسم، بعد أن لجوا في طغيانهم، وقد حكى- سبحانه- ذلك فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>