للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زالت عنهم به منافع الدنيا والآخرة، وجلب لهم مضارهما، فكان ذلك من أعظم موجبات الخسران» «١» .

ثم بين- سبحانه- سنته في عقاب الظالمين في كل زمان ومكان فقال: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ....

والكاف في وَكَذلِكَ بمعنى مثل، والمراد بالقرى: أهلها الظالمون.

والأخذ: هو العقاب المباغت السريع: يقال أخذ فلان الموت، إذا نزل به بسرعة وقوة.

أى: ومثل ذلك الأخذ والإهلاك للظالمين السابقين، يكون أخذ ربك وعقابه لكل ظالم يأتى بعدهم وينهج نهجهم.

وجملة، وهي ظالمة، في موضع الحال من القرى، وفائدة هذه الحال الإشعار بأن عقابهم كان بسبب ظلمهم، وفي ذلك ما فيه من التحذير لكل ظالم لا يبادر بالإقلاع عن ظلمه قبل فوات الأوان.

والمراد بالظلم ما يشمل الكفر وغيره من الجرائم والمعاصي التي نهى الله عنها، كالكذب وشهادة الزور، وأكل أموال الناس بالباطل.

وقوله: إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ زيادة في التحذير من الوقوع في الظلم.

أى: إن أخذه- سبحانه- للظالمين عظيم إيلامه، شديد وقعه، لا هوادة فيه، ولا مخلص منه.

روى الشيخان عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ «٢» .

ثم بين- سبحانه- أن ما ساقه في هذا القرآن عن أحوال السابقين فيه العبرة لمن اعتبر، وفيه العظة لمن خاف عذاب الآخرة الذي ينقسم الناس فيه إلى شقي وسعيد، فقال- تعالى-:


(١) تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ٥٦.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>