للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى: وإن هؤلاء المختلفين في شأن الكتاب لفي شك منه، وهذا الشك قد أوقعهم في الريبة والتخبط والاضطراب.

وهذا شأن المعرضين عن الحق، لا يجدون مجالا لنقده وإنكاره، فيحملهم عنادهم وجحودهم على التشكيك فيه، وتأويله تأويلا سقيما يدعو إلى الريبة والقلق.

وبعض المفسرين يرى عودة الضمير في قوله وَإِنَّهُمْ إلى قوم موسى، وفي قوله مِنْهُ إلى كتابهم التوراة.

وبعضهم يرى عودة الضمير الأول إلى قوم النبي صلى الله عليه وسلم والثاني إلى القرآن الكريم.

والذي يبدو لنا أن الرأى الأول أظهر في معنى الآية، لأن الكلام في موسى- عليه السلام وقومه الذين اختلفوا في شأن كتابهم التوراة اختلافا كبيرا، وعود الضمير إلى المتكلم عنه أولى بالقبول.

وهذا لا يمنع أن بعض المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في شك من القرآن، أوقعهم هذا الشك في الريبة والحيرة.

فتكون الجملة الكريمة من باب التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما قاله بعض المشركين في شأن القرآن الكريم.

ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المختلفين في شأن الكتاب، الشاكين في صدقه، سوف يجمعهم الله- تعالى- مع غيرهم يوم القيامة للجزاء والحساب على أعمالهم فقال- تعالى- وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.

وقد وردت في هذه الآية الكريمة عدة قراءات متواترة «١» منها: قراءة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم بتشديد، إن ولما، وقد قيل في تخريجها:

إن لفظ، كُلًّا، اسم إِنَّ، والتنوين فيه عوض عن المضاف إليه، واللام في، لَمَّا، هي الداخلة في خبر إِنَّ وما بعد اللام هو حرف «من» الذي هو من حروف الجر، و «ما» موصولة أو نكره موصوفة والمراد بها من يعقل، فيكون تقدير الكلام: وإن كلا «لمن ما» ، فقلبت النون ميما للإدعام فاجتمع ثلاث ميمات، فحذفت واحدة منها للتخفيف، فصارت «لما» والجار والمجرور خبر إِنَّ، واللام في لَيُوَفِّيَنَّهُمْ، جواب قسم مضمر، والجملة صلة أو صفة لَمَّا.

والتقدير: وإن كلا من أولئك المختلفين وغيرهم لمن خلق الله الذين هم بحق ربك


(١) لمعرفة هذه القراءات راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٢٦ وتفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>