للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكدت بحرف إِنَّ للاهتمام وتحقيق الخبر، والحسنات صفة لموصوف محذوف، وكذلك السيئات.

والمعنى: إن الأعمال الحسنة- كالصلاة والزكاة والصيام والحج، والاستغفار ... يذهبن الأعمال السيئات، أى يذهبن المؤاخذة عليها، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة.

والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب، لقوله- تعالى- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً «١» . ولقوله- تعالى- الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ... «٢» ، ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة.

وقوله ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ أى: ذلك الذي أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة، ومن الاستقامة على أمر الله ... فيه التذكرة النافعة، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار، لا الإعراض والعناد.

وهذه الآية الكريمة من الآيات التي قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية، وقد ذكرنا في التمهيد بين بدى السورة، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية، وليس فيها آيات مدنية.

ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم ولإرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة، وعدم الركون إلى الظالمين.

ولأن بعض الروايات التي وردت في شأنها لم تذكر أنها نزلت في المدينة، بل ذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم تلاها على السائل، ومن هذه الروايات ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير- وهذا لفظه- عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنى وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أنى لم أجامعها، فافعل بي ما شئت، فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه، فأتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم بصره ثم قال: ردوه على فردوه عليه فقرأ عليه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ...

الآية، فقال معاذ- وفي رواية عمر- يا رسول الله، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال: بل للناس كافة» «٣» .


(١) سورة النساء الآية ٣١.
(٢) سورة النجم الآية ٣٢.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>