للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ صفة رابعة للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

والمراد بالكتاب: القرآن، وتعليمه بيان ما يخفى من معانيه، فهو غير التلاوة، فلا تكرار بين قوله يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وبين قوله وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ.

والحكمة: ما يصدر عنه صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأفعال التي جعل الله للناس فيها أسوة حسنة.

قال بعضهم: وقدمت جملة وَيُزَكِّيكُمْ هنا على جملة وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ عكس ما جاء في الآية السابقة في حكاية قول إبراهيم رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ لأن المقام هنا للامتنان على المسلمين، فقدم ما يفيد معنى المنفعة الحاصلة من تلاوة الآيات عليهم وهي منفعة تزكية نفوسهم اهتماما بها، وبعثا لها بالحرص على تحصيل وسائلها وتعجيلا للبشارة بها. أما في دعوة إبراهيم فقد رتبت الجمل على حسب ترتيب حصول ما تضمنته في الخارج، مع ما في ذلك التخالف من التفنن» «١» .

وقوله- تعالى-: وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ صفة خامسة له صلّى الله عليه وسلّم.

أى: «ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمونه مما لا طريق إلى معرفته سوى الوحى. ومما لم يكونوا يعلمونه وعلمهم إياه صلّى الله عليه وسلّم وجوه استنباط الأحكام من النصوص أو الأصول المستمدة منها، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وغير ذلك مما لم تستقل بعلمه عقولهم. وبهذا النوع من التعليم صار الدين كاملا قبل انتهاء عهد النبوة.

ولقد كان العرب قبل الإسلام في حالة شديدة من ظلام العقول وفساد العقائد ...

فلما أكرمهم الله- تعالى- برسالة رسوله صلّى الله عليه وسلّم وتلا عليهم الآيات، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، خرج منهم رجال صاروا أمثالا عالية في العقيدة السليمة، والأخلاق القويمة والأحكام العادلة، والسياسة الرشيدة لمختلف البيئات والنزعات.

قال الآلوسى: وكان الظاهر أن يقول: «ويعلمكم الكتاب والحكمة وما لم تكونوا تعلمون» بحذف الفعل «يعلمكم» من الجملة الأخيرة، ليكون الكلام من عطف المفرد على المفرد، إلا أنه- تعالى- كرر الفعل للدلالة على أنه جنس آخر غير مشارك لما قبله أصلا، فهو تخصيص بعد التعميم مبين لكون إرساله صلّى الله عليه وسلّم نعمة عظيمة، ولولاه لكان الخلق متحيرين في أمر دينهم لا يدرون ماذا يصنعون» «٢» .


(١) تفسير التحرير والتنوير ج ٢ ص ٤٥ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢ ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>