للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله- سبحانه- قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ، وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ بيان للرأى الذي اقترحه أحدهم، واستقر عليه أمرهم.

قال القرطبي ما ملخصه: قوله وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ قرأ أهل مكة وأهل البصرة وأهل الكوفة «في غيابة الجب» بالإفراد- وقرأ أهل المدينة «في غيابات الجب» - بالجمع-.

وكل شيء غيب عنك شيئا فهو غيابة، ومنه قيل للقبر غيابة- قال الشاعر:

فإن أنا يوما غيبتني غيابتى ... فسيروا بسيرى في العشيرة والأهل

والجب: الركية- أى الحفرة- التي لم تطو- أى لم تبن بالحجارة- فإذا طويت فهي بئر. وسميت جبا لأنها قطعت في الأرض قطعا. وجمع الجب جببة وجباب وأجباب.

وجمع بين الغيابة والجب، لأنه أراد ألقوه في موضع مظلم من الجب حتى لا يلحقه نظر الناظرين ... » «١» .

والسيارة: جمع سيار، والمراد بهم جماعة المسافرين الذين يبالغون في السير ليصلوا إلى مقصودهم.

والمعنى: قال قائل من إخوة يوسف أفزعه ما هم مقدمون عليه بشأن أخيهم الصغير:

لا تقتلوا يوسف، لأن قتله جرم عظيم، وبدلا من ذلك، ألقوه في قعر الجب حيث يغيب خبره، إلى أن يلتقطه من الجب بعض المسافرين، فيذهب به إلى ناحية بعيدة عنكم، وبذلك تستريحون منه ويخل لكم وجه أبيكم.

ولم يذكر القرآن اسم هذا القائل أو وصفه، لأنه لا يتعلق بذكر ذلك غرض، وقد رجح بعض المفسرين أن المراد بهذا القائل «يهوذا» .

والفائدة في وصفه بأنه منهم، الإخبار بأنهم لم يجمعوا على قتله أو طرحه في أرض بعيدة حتى يدركه الموت.

وأتى باسم يوسف دون ضميره. لاستدرار عطفهم عليه، وشفقتهم به، واستعظام أمر قتله.

وجواب الشرط في قوله «إن كنتم فاعلين» محذوف لدلالة «وألقوه» عليه.


(١) تفسير القرطبي ج ٩ ص ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>