للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و «مكنا» من التمكين بمعنى التثبيت، والمراد بالأرض: أرض مصر التي نزل فيها.

أى: ومثل ذلك التمكين البديع الدال على رعايتنا له، مكنا ليوسف في أرض مصر، حتى صار أهلا للأمر والنهى فيها.

وقوله- سبحانه- وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ علة لمعلل محذوف، فكأنه قيل:

وفعلنا ذلك التمكين له، لنعلمه من تأويل الأحاديث، بأن نهبه من صدق اليقين، واستنارة العقل، ما يجعله يدرك معنى الكلام إدراكا سليما، ويفسر الرؤى تفسيرا صحيحا صادقا.

وقوله: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ تذييل قصد به بيان قدرة الله- تعالى- ونفاذ مشيئته.

فأمر الله هنا: هو ما قدره وأراده.

أى: والله- تعالى- متمم ما قدره وأراده، لا يمنعه من ذلك مانع، ولا ينازعه منازع، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك حق العلم، فيما يأتون ويذرون من أقوال وأفعال.

والتعبير بقوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ احتراس لإنصاف ومدح القلة من الناس الذين يعطيهم الله- تعالى- من فضله ما يجعلهم لا يندرجون في الكثرة التي لا تعلم، بل هو- سبحانه- يعطيهم من فضله ما يجعلهم يعلمون ما لا يعلمه غيرهم.

ثم بين- سبحانه- مظهرا آخر من مظاهر إنعامه على يوسف فقال: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

والأشد: قوة الإنسان، وبلوغه النهاية في ذلك، مأخوذ من الشدة بمعنى القوة والارتفاع، يقال: شد النهار إذا ارتفع.

ويرى بعضهم أنه مفرد جاء بصيغة الجمع ويرى آخرون أنه جمع لا واحد له من لفظه وقيل هو جمع شدة كأنعم ونعمة.

والمعنى: وحين بلغ يوسف- عليه السلام- منتهى شدته وقوته، وهي السن التي كان فيها- على ما قيل- ما بين الثلاثين والأربعين.

آتَيْناهُ أى: أعطيناه بفضلنا وإحساننا.

حُكْماً أى: حكمة، وهي الإصابة في القول والعمل أو هي النبوة.

وعِلْماً أى فقها في الدين. وفهما سليما لتفسير الرؤى، وإدراكا واسعا لشئون الدين والدنيا.

وقوله: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أى: ومثل هذا الجزاء الحسن والعطاء الكريم،

<<  <  ج: ص:  >  >>