للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: كيف جاز على نبي الله أن يكون منه هم بالمعصية؟.

قلت: المراد أن نفسه مالت إلى المخالطة، ونازعت إليها عن شهوة الشباب، ميلا يشبه الهم به، وكما تقتضيه تلك الحال التي تكاد تذهب بالعقول والعزائم، وهو يكسر ما به، ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين بوجوب اجتناب المحارم، ولو لم يكن ذلك الميل الشديد المسمى هما لشدته، لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع، لأن استعظام الصبر على الابتلاء، على حسب عظم الابتلاء وشدته، ولو كان همه كهمها عن عزيمة لما مدحه بأنه من عباده المخلصين» «١» .

ومن المفسرين المحدثين الذين ذكروا هذا الرأى الإمام الآلوسى، فقد قال ما ملخصه:

قوله: «ولقد همت به» أى: بمخالطته ... والمعنى: أنها قصدت المخالطة وعزمت عليها عزما جازما، لا يلويها عنها صارف بعد ما باشرت مباديها ...

والتأكيد- باللام وقد- لدفع ما يتوهم من احتمال إقلاعها عما كانت عليه.

وَهَمَّ بِها أى: مال إلى مخالطتها بمقتضى الطبيعة البشرية ... ومثل ذلك لا يكاد يدخل تحت التكليف، وليس المراد أنه قصدها قصدا اختياريا، لأن ذلك أمر مذموم تنادى الآيات بعدم اتصافه به، وإنما عبر عنه بالهم لمجرد وقوعه في صحبة همها في الذكر على سبيل المشاكلة لا لشبهه به ... «لولا أن رأى برهان ربه» أى محبته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا، وسوء سبيله.

والمراد برؤيته له: كمال إيقانه به، ومشاهدته له مشاهدة وصلت إلى مرتبة عين اليقين ... » «٢» .

ومن المفسرين من يرى أن المراد بهمها به: الهم بضربه نتيجة عصيانه لأمرها.

وأن المراد بهمه بها: الدفاع عن نفسه برد الاعتداء، ولكنه آثر الهرب.

وقد قرر هذا الرأى ودافع عنه وأنكر سواه صاحب المنار، فقد قال ما ملخصه:

«ولقد همت به» أى: وتالله لقد همت المرأة بالبطش به لعصيانه لأمرها، وهي في نظرها سيدته وهو عبدها، وقد أذلت نفسها له بدعوته الصريحة إلى نفسها، بعد الاحتيال عليه بمراودته عن نفسه ... فخرجت بذلك عن طبع أنوثتها في التمنع ... مما جعلها تحاول البطش به


(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٣١١. [.....]
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>