للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملخصه: «واعلم أن الاستعانة بالناس في دفع الظلم جائزة في الشريعة، إلا أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فهذا وإن كان جائزا لعامة الخلق، إلا أن الأولى بالصديقين أن يقطعوا نظرهم عن الأسباب بالكلية، وألا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب..

ثم قال: والذي جربته من أول عمرى إلى آخره أن الإنسان كلما عول في أمر من الأمور على غير الله، صار ذلك سببا إلى البلاء وإلى المحنة ... وإذا عول العبد على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه، فهذه التجربة قد استمرت لي من أول عمرى إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه السابعة والخمسين من عمرى.

ثم قال: واعلم أن الحق هو قول من قال إن الضمير في قوله: «فأنساه الشيطان ذكر ربه» راجع إلى يوسف.. والمعنى: أن الشيطان أنسى يوسف أن يذكر ربه وخالقه..» «١» .

ونحن مع احترامنا لرأى الفخر الرازي، إلا أننا ما زلنا نرى أن عودة الضمير في قوله «فأنساه» إلى الساقي الذي ظن يوسف أنه هو الناجي من العقوبة، أولى لما سبق أن ذكرناه.

قال ابن كثير: وقوله اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ...

أى: «قال يوسف اذكر قصتي عند ربك وهو الملك، فنسي ذلك الموصى أن يذكر مولاه بذلك، وكان نسيانه من جملة مكايد الشيطان.. هذا هو الصواب أن الضمير في قوله:

«فأنساه» .. عائد على الناجي كما قال مجاهد ومحمد بن إسحاق وغير واحد ... » «٢» .

وإلى هنا تكون الآيات الكريمة قد قصت علينا بأسلوبها المشوق الحكيم جانبا من حياة يوسف- عليه السلام- في السجن فماذا كان بعد ذلك؟

لقد كان بعد ذلك أن أراد الله- تعالى- فتح باب الفرج ليوسف- عليه السلام-، وكان من أسباب ذلك أن رأى الملك في منامه رؤيا أفزعته، ولم يستطع أحد تأويلها تأويلا صحيحا سوى يوسف- عليه السلام- استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول:


(١) تفسير الرازي ج ١٨ ص ١٤٤.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣١٦ طبعة دار الشعب وراجع تفسير المنار ج ٢، ص ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>